المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد

انزلاق بروتوكولي يمس بصورة المغرب الديبلوماسية: سيلفي الوزير مع الرئيس التركي نموذجاً"

 بيان المنظمة : "انزلاق بروتوكولي يمس بصورة المغرب الديبلوماسية: سيلفي الوزير مع الرئيس التركي نموذجاً"





البيان الرسمي رقم:/ONDHLC-/ 2025/06/28-01


مقدمة


في الوقت الذي تسعى فيه المملكة المغربية لترسيخ صورة مؤسساتية رصينة ومتزنة على الصعيد الدولي، تفاجأ الرأي العام الوطني والدولي بتصرف غير مسؤول أقدم عليه أحد أعضاء الحكومة المغربية، وزير النقل السيد عبد الصمد قيوح، خلال لقاء رسمي رفيع المستوى جمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أقدم على التقاط صورة "سيلفي" في لحظة حرجة تستوجب أقصى درجات الانضباط والاحترام.

هذا التصرف الذي خرج عن أعراف البروتوكول الديبلوماسي يضعنا اليوم أمام تساؤلات جوهرية حول فهم بعض المسؤولين لطبيعة منصبهم، وحول مدى وعيهم بأهمية صورة الدولة التي يمثلونها في المحافل الدولية.


إن الفعل، وإن بدا بسيطًا للبعض، لا يُمكن اعتباره مجرد لحظة عابرة، بل هو مؤشر مقلق على غياب التكوين في مجال البروتوكولات والتمثيل الديبلوماسي.

فالدبلوماسية ليست مجالًا للظهور الشخصي ولا مناسبة لاصطياد لحظات "البوز" الإعلامي، بل مسؤولية جسيمة تتطلب كفاءة، وقارًا، واحترامًا دقيقًا لكل تفاصيل السلوك والهيئة.


أمام هذا السلوك غير اللائق، تعبر المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد عن بالغ استغرابها ورفضها المطلق لأي ممارسة تسيء لصورة المغرب أو تهين الرمزية الديبلوماسية لمناصبه الرسمية.


تساؤلات مشروعة


هل خضع السيد الوزير لتكوين أساسي في الأعراف الديبلوماسية والبروتوكولات الدولية قبل تمثيله للمملكة؟


لماذا لم يتم التدخل الفوري من قبل الجهات العليا في الحكومة لتقديم توضيح أو اعتذار رسمي باسم الدولة المغربية؟


هل هناك سياسة داخلية واضحة لتأهيل وتدريب المسؤولين الحكوميين في مجال التمثيل الديبلوماسي؟


من المسؤول عن مراقبة تصرفات الوزراء خلال المحافل الدولية؟ وهل يوجد تقييم لأداء المسؤولين خارج الحدود؟


هل نحن أمام سلوك فردي أم خلل بنيوي في فهم بعض المسؤولين لوظائفهم التمثيلية؟


1. خرق صارخ للبروتوكول الديبلوماسي


ما أقدم عليه وزير النقل المغربي عبد الصمد قيوح من التقاط صورة "سيلفي" مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقاء رسمي، يُعدُّ خرقًا واضحًا للبروتوكول الديبلوماسي الذي يحكم مثل هذه المحافل الرفيعة المستوى. فالممارسات الديبلوماسية لا تخضع للعفوية أو الاندفاع الشخصي، بل تنبني على قواعد دقيقة تنظم العلاقة بين ممثلي الدول وفق تراتبية رمزية ومهنية تحفظ هيبة الدولة وصورتها أمام الشركاء.

لا يُعقل أن يتحول ممثل رسمي عن الحكومة إلى شخص يقتنص اللحظة كما يفعل السياح أو المؤثرون الرقميون. إن السلوك العفوي وغير المحسوب الصادر عن الوزير يُفرغ التمثيل الرسمي من معناه، ويبعث رسائل خاطئة إلى الحضور وإلى المجتمع الدولي، مفادها أن ممثلي المغرب لا يميزون بين المجال الشخصي والمجال الرسمي.

الخطورة هنا لا تكمن فقط في الفعل ذاته، بل في الرمزية التي يحملها هذا الفعل. فالتقاط صورة ذاتية مع رئيس دولة أجنبية، دون مراعاة السياق، قد يُفهم على أنه تجاوز للصلاحيات أو تقليل من وزن المناسبة. الأمر يضع المغرب في موقع الحرج، ويطرح تساؤلات حول مدى التزام مسؤوليه بأخلاقيات البروتوكول السياسي والدولي.

هذا الانزلاق لا يجب المرور عليه مرور الكرام، بل يستدعي مساءلة جدية، لما له من تأثير مباشر على صورة المغرب الخارجية، وعلى مصداقية المسؤولين أمام العالم.


2. تداعيات على صورة المغرب الدولية


في ظل التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، تسعى المملكة المغربية إلى تثبيت مكانتها كقوة إقليمية مستقرة ورصينة، وهذا يتطلب خطابًا دبلوماسيًا متوازنًا وسلوكًا مسؤولًا من طرف من يمثلها. فالدول تُقاس اليوم ليس فقط بقوتها الاقتصادية أو العسكرية، بل أيضًا بجودة تمثيلها الديبلوماسي ورزانة مسؤوليها في اللقاءات الدولية.

عندما يُسجل على وزير في الحكومة تصرفٌ مثل التقاط صورة "سيلفي" وسط اجتماع رسمي، فإن الرسالة التي تُبعث إلى الشركاء قد تكون مضادة تمامًا لما ترغب المملكة في ترسيخه. فقد يرى البعض أن المغرب لا يملك مسؤولين على قدر الحدث، أو أنه يُعاني من خلل في تأهيل ممثليه على مستوى البروتوكولات الدولية.

هذا النوع من السلوك لا يمكن عزله عن السياق العام الذي تعيشه البلاد، حيث تسعى الحكومة جاهدة إلى تحسين صورتها في المنتديات العالمية، وجلب الاستثمارات، وتوطيد الشراكات الاستراتيجية. فهل يُعقل أن يتم تقويض كل هذه المجهودات بلحظة عبثية أمام عدسات الكاميرات؟

كما أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية قد تستغل الواقعة لإبراز "عدم نضج" بعض المسؤولين المغاربة، مما يُعطي فرصة لخصوم المملكة للتشكيك في احترافيتها الديبلوماسية. وهذا ما يشكل ضررًا يتجاوز شخص الوزير ليطال صورة الدولة برمّتها، بما فيها من مؤسسات وجهاز حكومي.


3. البوز الرقمي أم التمثيل الديبلوماسي؟


أصبح من الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن عددًا من المسؤولين الحكوميين في المغرب – وفي دول أخرى – يتعاملون مع مناصبهم كمنصة لتحقيق الظهور الشخصي وليس كمسؤولية وطنية. ثقافة "البوز" التي تسود في وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تتسلل إلى الساحة السياسية، مما يؤدي إلى خلط خطير بين المهني والشخصي، بين ما هو رسمي وما هو استعراضي.

ما قام به الوزير عبد الصمد قيوح خلال لقائه بالرئيس التركي لا يمكن تبريره بعفوية اللحظة أو حماس اللقاء، بل يعكس توجهًا ذهنيًا يربط الحضور السياسي بالظهور الرقمي. وكأن المهم في المشاركة ليس تقديم ملفات أو التفاوض أو تبادل المصالح، بل تسجيل "لحظة ترند" للعرض على الجمهور.

هذا الانزلاق من العمل السياسي إلى التفاعل الرقمي يُفقد التمثيل الرسمي هيبته، ويحول الفضاءات الديبلوماسية إلى فضاءات "تدوين مصور" عوض أن تكون أماكن لصنع القرارات وتوطيد العلاقات. ويُثير ذلك مخاوف كبيرة حول طبيعة التكوين الذهني لبعض الوزراء، ومدى وعيهم بأنهم يحملون صورة دولة وليس حسابًا شخصيًا.

إن الميدان الرقمي له أدواته، أما الدولة فتمثلها الرمزية والاتزان والمسؤولية. ومن المؤسف أن يسعى مسؤول حكومي إلى الاستفادة من لحظة ديبلوماسية دولية كما لو كانت "مناسبة محتوى"، وكأنه يشارك في بث مباشر، لا في لقاء سيادي بين دولتين.


4. غياب التأطير الديبلوماسي


واقعة "السيلفي" ليست فقط نتيجة سوء تصرف فردي، بل تعكس غيابًا ممنهجًا في تأطير المسؤولين على صعيد البروتوكول والديبلوماسية. فهل يتلقى الوزراء والمسؤولون المغاربة أي تكوين إلزامي قبل تمثيل المغرب في المنتديات الدولية؟ وهل هناك جهة تتأكد من جاهزيتهم للمشاركة في لقاءات رفيعة المستوى؟

غياب التكوين في البروتوكول الدولي يُشكل ثغرة خطيرة في هندسة التمثيل الرسمي للدولة. وهذا يجعل من أي مشاركة خارجية "رهانًا مفتوحًا" على طبيعة تصرفات المسؤول. يمكن أن يُحسن البعض الأداء، لكن آخرين قد يتسببون في مواقف محرجة تضر بصورة المغرب أكثر مما تخدم مصالحه.

الأمر لا يتطلب فقط دورات تدريبية بل تبني سياسة عمومية واضحة تقوم على إلزامية التأطير المسبق لكل مسؤول حكومي قبل الخروج إلى الساحة الدولية. وينبغي أن يشمل هذا التأطير قواعد التفاعل، الحضور، اللباس، الخطاب، ضبط التصريحات، والتعامل مع الوفود الأجنبية.

كما يتوجب إحداث لجان مرافقة لتقييم أداء المسؤولين في المحافل الدولية وتقديم تقارير دورية إلى رئاسة الحكومة. فالصورة التي يخرج بها المغرب من أي اجتماع دولي هي نتيجة مباشرة لما يفعله أو يقوله أو يتجاهله ممثلوه الرسميون.


5. مسؤولية رئاسة الحكومة والمؤسسات الرقابية


في هذه الواقعة، تقع المسؤولية الأولى على عاتق رئاسة الحكومة التي يفترض أن تكون الجهة المشرفة على سلوك وزرائها وممثليها في الخارج. فإذا كانت الحكومة لا تقوم بتأطير أو ضبط أو حتى مراقبة ما يقوم به أعضاؤها، فمن المسؤول عن حماية صورة المغرب ومكانته؟

كان من المفروض أن تصدر رئاسة الحكومة بيانًا توضيحيًا أو توبيخيًا تُعبر فيه على الأقل عن موقفها من هذا السلوك. فالصمت الرسمي يُمكن أن يُفهم على أنه قبول ضمني أو حتى تشجيع غير مباشر لمثل هذه التصرفات، وهو ما يشجع على تكرارها في المستقبل.

إلى جانب رئاسة الحكومة، فإن مؤسسات الرقابة، كالمجلس الأعلى للحسابات، ومجلس النواب والمستشارين، مسؤولة عن متابعة ومساءلة الوزراء حول تصرفاتهم، خاصة إذا أثرت على صورة البلاد دوليًا.

كما أنه من واجب المجتمع المدني، ووسائل الإعلام الجادة، والهيئات الحقوقية، أن تضغط من أجل عدم تكرار مثل هذه الأخطاء، والعمل على إرساء معايير مهنية واضحة تحكم السلوك العمومي.

فالدولة لا يمكن أن تتطور دون مساءلة، ولا يمكن أن تحفظ هيبتها إن كانت تتغاضى عن التجاوزات الواضحة لمسؤوليها.


6. هيبة الدولة والمملكة المغربية على المحك


إن هيبة الدولة ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هي قيمة سيادية تتجسد في سلوك مسؤوليها، في احترام البروتوكولات، وفي الصورة التي تعكسها مؤسساتها أمام الداخل والخارج. وحينما تصدر تصرفات فردية من مسؤول رفيع في الحكومة تمس بهذه الهيبة، فإن الضرر لا يُحسب على الشخص فقط، بل على الدولة برمتها، وعلى مكانتها بين الدول.


ما قام به الوزير عبد الصمد قيوح من توثيق لحظة شخصية على حساب سياق رسمي، لا يمكن فصله عن السياق العام لتوجه المملكة نحو توسيع نفوذها الديبلوماسي، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، خاصة في ظل المتغيرات الجيوسياسية، وتزايد أهمية الديبلوماسية الهادئة والدقيقة. فالمغرب لطالما حرص على بناء صورة دولة عريقة، ضاربة في التاريخ، ومُحكمة في ممارساتها الرسمية. وها نحن اليوم أمام حالة تُهدد بتقويض جزء من هذا الرصيد الرمزي الثمين.


هيبة الدولة تتطلب أن يتصرف مسؤولوها وفقًا لمعايير صارمة من الانضباط الذاتي والتصرف المؤسسي، وأن يتفادوا تمامًا أي سلوك يمكن أن يُفهم كبحث عن الأضواء أو رغبة في تحقيق شهرة شخصية. فالمواقع الحكومية ليست منصات شهرة، بل هي مواقع تكليف وواجب ومسؤولية تاريخية. لا يُعقل أن تُختزل الدبلوماسية في لحظة “سيلفي” تثير الاستغراب والاستهزاء.


كما أن هذه الحادثة، وإن بدت بسيطة، تحمل رمزية عميقة في سياق التنافس الدولي. فالدول تُقيم بعضها اليوم على أساس الجدية، الاتزان، وحرفية ممثليها. وإذا استُقبل المغرب بصور مسؤوليه وهم يتصرفون كهوات، فإن هذا قد يُفهم كتراجع في قوة تمثيله السياسي والدبلوماسي. والأسوأ من ذلك، أن يتحول هذا النموذج إلى سابقة تُكرّر أو تُقلَّد، مما يُضعف بنية السلوك الرسمي للدولة.


هيبة المملكة ليست ملكًا للحكومة، بل هي رصيد شعبي وتاريخي وطني. ولهذا، فإن المساس بها يُعتبر خيانة غير مباشرة لقيم الانتماء والولاء للوطن. من هنا، فإننا نُطالب بمواقف رسمية حازمة تليق بخطورة هذا الفعل، سواء عبر الاعتذار أو عبر الإجراءات التأديبية، التي تحفظ للمملكة وقارها، وتُعيد الاعتبار لصورتها التي تعبنا في بنائها عبر عقود.


فمن غير المقبول أن تتحول المنصات السيادية إلى ساحات سوشيال ميديا، أو أن تصبح المواقف الدبلوماسية مسرحًا للصور التذكارية الفردية. لا شيء يجب أن يُقدَّم على صورة وهيبة المملكة المغربية في الخارج، ولا يجب التساهل مع من يعبث بها، ولو عن جهل أو حسن نية.


توصيات المنظمة


1. فتح تحقيق رسمي في الواقعة من طرف رئاسة الحكومة لتحديد المسؤوليات وتقييم الأضرار الرمزية.


2. إصدار ميثاق شرف ديبلوماسي يُلزم كل ممثلي الدولة بالخضوع لتكوينات مسبقة في البروتوكول الدولي.


3. فرض ضوابط صارمة على استعمال الوسائل الشخصية (هواتف، تصوير) أثناء اللقاءات الدولية الرسمية.


4. إنشاء لجنة مستقلة لمتابعة أداء المسؤولين في المحافل الدولية وتقديم تقارير دورية حول التزامهم.


5. إطلاق حملة وطنية للتوعية بدور المسؤول العمومي وحدود سلوكه داخل وخارج أرض الوطن.


6. مطالبة الوزير المعني بالاعتذار العلني وتقديم توضيحات للرأي العام حول تصرفه.


خاتمة


إن هيبة الدولة لا تُبنى بالخطابات، بل بالأفعال والانضباط والاحترام الصارم للمؤسسات والمعايير. ما حدث خلال لقاء الوزير بالرئيس التركي ليس مجرد خطأ عفوي، بل هو مؤشر خطير على خلل في الوعي السياسي والديبلوماسي لبعض المسؤولين. لا يجوز أن تتحول مناصب الدولة إلى منابر للبروز الشخصي أو مساحات لتوثيق اللحظات الخاصة.

المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد تُهيب بكافة المؤسسات المسؤولة أن تتعامل بجدية مع الواقعة، وأن تعتبرها ناقوس خطر يستوجب إصلاحًا عاجلًا في آليات اختيار وتكوين ممثلي الدولة.

صورة المغرب في الخارج ليست ملكًا فرديًا، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضحيات وانضباطًا من كل من يمثلها.

وإذا كان البعض يرى أن صورة "سيلفي" بريئة، فإننا نرى فيها تشويهًا لصورة مؤسسة الدولة، واستخفافًا بالتمثيل الرسمي الذي يتطلب وقارًا يُليق بتاريخ المغرب ومكانته.

هذا النوع من السلوكيات لا يجب أن يمر مرور الكرام، وإلا سندفع جميعًا ثمن "لحظة أنانية" قد تكلف المغرب سنوات من بناء الثقة والصورة الدولية.

نحن في حاجة إلى مسؤولين يُدركون حجم أدوارهم، لا باحثين عن صور وإعجابات.

نحن في حاجة إلى رجال دولة، لا مؤثرين رقميين في زيّ وزاري.

ومن هنا، نعلن أن المنظمة ستتابع الموضوع عن كثب، وسترفع تقاريرها إلى الجهات المختصة، انطلاقًا من مسؤوليتها الوطنية والحقوقية.

الكرامة الوطنية لا تُلتقط في صورة، بل تُبنى بالالتزام والانضباط.


#هاشتاج


#صورة_تسيء_للدولة

#مسؤولون_بلا_بروتوكول

#هيبة_المغرب_خط_أحمر

#البوز_ليس_ديبلوماسية

#المنظمة_الوطنية_لحقوق_الإنسان

#احترام_الرمزية_الدولية

#وزير_السيلفي

#التكوين_الديبلوماسي_ضرورة

#لا_لتسييس_الظهور_الرقمي

#حكومة_الانضباط_أولاً



شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: