بيان المنظمة بخصوص آيت عميرة.. صرخة صحية في قلب القلب الفلاحي للمغرب
ONHDAC/STATEMENT/0625-AMIRA/01
تمر جماعة آيت عميرة، الواقعة بإقليم اشتوكة أيت باها والمُعدّة أكبر تجمع سكاني بجهة سوس ماسة بعدما تجاوز عدد سكانها 113 ألف نسمة، بأزمة صحية خطيرة تُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة. فعلى أرض تنتج الخضر والفواكه المصدّرة، يعيش المواطنون دون خدمات صحية لائقة، إذ يكتفي المركز الصحي الوحيد بتقديم بعض العلاجات الأولية في بناية واحدة تفتقر إلى الطبيب القار، ويجد المرضى أنفسهم أمام حالة من العجز الطبي المركّب يوميًا. لا يُعدّ المرض مجرد أزمة صحية، بل تجرّ خلفها رحلة شاقة تبدأ من الانتظار الطويل ومركبات تنتقل إلى المدينة، مرورا بتكاليف باهظة، وصولاً إلى فقدان فرص إنقاذ حياة الضعفاء، كالنساء الحوامل والمسنين وذوي الأمراض المزمنة.
وفي الوقت الذي تُضاف فيه جهود منتجي المنظمة المحلية والمجتمع المدني، تجذّر فيهم الأمل من خلال مبادرة إنسانية تتبلور في تبرع بأرض لإنشاء مستوصف جديد، إلا أن هذا المشروع النبيل اصطدم بعقبات مؤسساتية متعددة: ما بين المساطر العقارية المعقدة، تراكم الأذونات والتأخيرات في التأشير والإجراءات، وغياب الإرادة التنفيذية الواضحة.
هذا الوضع يشكل تمثيلاً صارخاً لغياب العدالة المجالية، حيث يتقاسم سكان جماعات أصغر خدمات صحية أكثر تطوراً من هذه الجماعة التي تمتلك ميزات اقتصادية كبيرة وموقعاً سوسيو-اقتصادياً استراتيجياً. إن إهمال آيت عميرة صحياً هو إهمال للدولة لجزء من مواطنيها، وتجاهل لواجبها الدستوري المنصوص عليه في الفصل 31، مما يضرب مقومات الحق في الصحة والمساواة، فضلاً عن خرق التزامات المغرب الدولية ضمن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن البيان الذي تصدره المنظمة اليوم، هو صرخة احتجاجية واستنجاد إنساني قبل أن يصبح مجرد ملف شكوي إداري.
اليوم، نوجه نداءنا القوي إلى وزارة الصحة والسلطات المحلية، مطالبين بتحمّل مسؤولياتهم والتصرف كمؤسسات قادرة على حماية حياة مواطنيها، لا كمتعاملين في أوراق غير ملزمة، وذلك عبر معالجة عاجلة وشاملة للوضع الصحي في آيت عميرة، لأن أي تأخير إضافي سيكلف خسائر بشريّة لا تُمكن تعويضها مستقبلاً.
تساؤلات ملحّة
1. لماذا تأخر توفير طبيب قار وجهاز مستعجلات في مركز صحي يخدم أكثر من 113 ألف نسمة؟
2. من المسؤول عن تبخر مبادرة التبرع بالأرض التي كانت اللبنة لبناء مستوصف جديد، رغم حاجة الجماعة الماسة إليه؟
3. ما هي أسباب البيروقراطية الطبية التي تترك المواطنين عرضة لمخاطر صحية يومية؟
4. لماذا لم تقم وزارة الصحة بإيفاد الفريق الطبي بعد تقاعد الطبيب الرئيسي للمركز؟
5. هل توجد خطة استراتيجية للتعويض عن نقص الخدمات الصحية في أكبر منطقة فلاحيّة ووطنية؟
6. بأي شروط تتجاهل الدولة جهود ومساهمات السكان في تقوية بنيتهم الخدماتية؟
7. متى ستتراجع سياسة "خبط العشواء" والتأخير الإداري، وتُحل محلها خارطة طريق صحية واضحة التنفيذ؟
عناوين
1. مأساة مركز صحي دون طبيب قار: لوحة يومية مرعبة
مركز آيت عميرة الصحي يتحول من مؤسسة طبية إلى مركز بالاسم فقط، حيث لا يُمارس فيه أي علاج فعلي. يتكوّن من بناية تفتقد إلى المعدات الضرورية، وتخلو من طبيب دائم، بينما يحاول ممرض واحد أو اثنان تغطية ضغط يفوق قدراتهم، خصوصاً في فترات الأزمات المسائية والعطل. العديد من الحالات الحادة، مثل حمّى الأطفال أو نزيف الجروح أو الأزمات القلبية، يُترك فيها المرضى حتى يُقرروا الذهاب إلى المراكز البعيدة التي تبعد عشرات الكيلومترات، معرضين أنفسهم لخطر التعرّض في الطريق إلى مزيد من المضاعفات. أما النساء الحوامل فهن يواجهون أخطر موقف: الولادة دون طبيب، أو مصحون بالأقارب، يُعرضون أنفسهم ومواليدهم للخطر المستمر، وسط غياب أي عناية بسيطة كالموجات فوق الصوتية أو متابعة ما قبل الولادة.
2. تحرك محلي ضائع: تبرع أرض لم يستغلّ، ومجتمع يتحسر
ألهمت مبادرة مواطنة جميلة الأمال، إذ تبرّعت سيدة بالمنطقة بأرض شاسعة لبناء مستوصف ثانٍ يخدم جزءاً من سكان الجماعة، إلا أن الحلم لم يتحقق بسبب تعقيدات المساطر الإدارية: من التسجيل العقاري إلى شلل في منح رخص البناء، مروراً بطلبات التأشيرة والتوقيع من جهات متعددة تناقلت الملف دون قرار واضح. النائب الجماعيّ كشف أنه تابع القضية منذ أكثر من عام، إلا أن الإجراءات اصطدمت بـجدران النظام البيروقراطي وروتين الإدارات المتداخلة. وهكذا، ضاعت فرصة إنقاذية وتراجع أهل السؤال في وجه مرايا الدولة المتأخرة.
3. تكلفة الرعاية المرضية الخارجية: الكلفة المادية والمعنوية
تكلف رحلة المريض من آيت عميرة إلى المدينة المستهدفة (بيوكري أو أكادير) ما لا يقل عن 80 إلى 120 درهم للتذكرة والتنقل، شاملاً تكاليف التنقل بالدراجيّة أو سيارة خاصة، فضلاً عن الأدوية. ولأن المواطنين غالبيتهم من ذوي الشروط المعيشية المتواضعة، تتحمل الأسرة إثر ذلك ضغوطاً مالية جديدة، مما يؤدي إلى تراجعهم عن الذهاب للعلاج أو الانتظار الطويل، وهذا يرميهم تحت شتى الأمراض المزمنة التي تتحول إلى أوبئة غير ظاهرة. كما أن تكلفة النفوس البشرية، لا تُقدر بثمن: مشاكل الضغط، والسكري، والمضاعفات، وحتى حالات وفاة يمكن تفاديها لو كان العلاج سهل المنال.
4. فشل الشراكة: السلطات والفاعل المدني وتخبط في الرؤية
حين تتعطل شراكة بين السلطة المحلية، والجماعة، والمجتمع المدني، بينما تتوافر الإرادة الشعبية ووجود دعم معنوي ومادي من أهل المنطقة، فإن هذا يعني خللاً عميقاً في آليات التفعيل. التبرع بالأرض أظهر رغبة مجتمعية حقيقية رغم الظروف الصعبة، لكن غياب التناغم بين الجهات أضاع هذه الفرصة. كما أن النضال الصحي يتطلب أن تُسمع أصوات المنظمات المحلية والمواطنة، لكن لم يتم إشراكهم في مجلس القرار، مما يجعل المشروع مجرد ورقة على الرف، متوقفة حتى إشعار آخر.
5. انتهاك للعدالة المجالية: توزيع خدمات تفضي إلى هشاشة
لا تخضع المرافق الصحية إلى توزيع عادل، بل يعم غياب التوازن في توزيع المؤسسات بين الجماعات الكبيرة التي تستثمر في الإنتاج والتنمية، تلك الجماعة التي يتجاوز تعداد سكانها مئات الآلاف، في حين يعجز مركزها الصحي عن تقديم أي خدمة لائقة. هذا يمثّل انتهاكا للعدالة المجالية التي ينص عليها الدستور، ويدفع للتساؤل عن جدوى المخططات الصحية الرسمية إذا تجاهلت تجمعات ذات أهمية استراتيجية.
6. غياب الشفافية وتلاشي المسؤوليات
لا توجد معلومات رسمية واضحة حول من يتحمل مسؤولية الترتيب الإداري اللازم لتفعيل إنشاء مستوصف جديد، أو من يتحمل عبء التعيينات في المركز الصحي الحالي. وزارة الصحة لا تكشف عن نقص الكوادر، الجماعة لا تملك ميزانية ثابتة، والجهة لا توفر صوتًا واضحًا في الملف. بهذا المزيج يتعذر تحديد الجهات التي تخفّف المسؤولية، وتترك الملف في المراوحة والانتظار إلى أن يتمدد العجز.
7. تكلفة ضبابية العلاقة بين الصحة والإنتاج الزراعي
هي مفارقة غريبة أن آيت عميرة تدفع البلاد نحو شبكة التصدير، فيما يعاني عمالها من هشاشة صحية تهدد الإنتاج. منطقياً، كل فقدان حياة أو يوم فقد فيه عامل صحته، هو خسارة في الإنتاج وأمن غذائي، ويؤثر على مردودية الحملة الفلاحية بأكملها. لكن هذا الرابط غير واضح على أرض الواقع، إذ لا توجد حكامة صحية تحمي هذا القطاع الحيوي من تبعات الضعف البشري الداخلي.
8. مقارنة مؤلمة مع المعايير الصحية العالمية
تنص توصيات منظمة الصحة بصراحة على ضرورة وجود مركز صحي لكل 30 ألف نسمة على الأقل، بينما جماعة آيت عميرة بحاجة لنحو 4 مراكز صحية وافتتاحها بالأرقام. هذه القاعدة البسيطة لم تُحترم، مما يكشف عن خلل منهجي في تصميم الخريطة الصحية للمغرب، حيث لا تتوافق الضرورات الفعلية مع التخطيط الرسمي، ولا تُمنح الاولوية لمن يستحقها حقًا.
9. المبادرات المجتمعية البديلة: أمل يمكن أن يتحول إلى فعل
تبرع أرض من إحدى أفراد الجماعة كان تحركاً مدنياً ذا معنى، وقد شكل نقطة انطلاق لإثبات أن السكان مستعدّون للمساهمة في المسار التنموي. لكن رغم ذهن المجتمع المفتوح، فإن الإجراءات الرسمية تبددت دون رؤية واضحة أو خبرة مشتركة. المستوصف يمكن أن يتحول إلى نجاح تعددي بين السلطة والمجتمع إذا صدرت القرارات بجدية، وإلا ستبقى مجرد عنوان على ورق للاستهلاك الإعلامي.
10. نحو ديمقراطية صحية حقيقية.. مشاركة آخرى
من الضروري أن تُشرك الجماعة المحلية والمجتمع المدني في تخطيط وتنفيذ المشاريع الصحية، فهما الأكثر قربًا للواقع. إذا كان التخطيط يتم وفق المقاسات العامة ثم تُفرض السياسات من أعلى فقط، فإن الخطة ستفشل في الوصول للمواطن. المشاركة تعني حضوراً مجتمعياً دائماً، وقرارات شفافة، وميزانية واضحة التنفيذ، وتقارير مرحلية تبنى على الحقائق على الأرض، لا تقديرات سياسية متكررة وناقصة.
توصيات عملية
1. إيفاد طبيب قار وممرضين للمركز خلال أسبوعين، تحت إشراف الوزارة وجماعة آيت عميرة.
2. تفعيل التسارع الإداري لعقد شراكة مع الجماعة والبناء فوراً على الأرض المتبرع بها.
3. تنظيم لجنة محلية صحية تضم ممثلين عن المجتمع المدني والجماعة والوزارة لضبط متطلبات المشروع.
4. شراء وتجهيز مركز صحي مستعجلات بقسم للولادة والحوادث، باستثمار عملي وميزانية واضحة.
5. إطلاق وحدة طبية متنقلة لدواوير الجماعة لحين تشغيل مركز جديد، تعمل بشكل دوري وثابت.
6. إعداد خطة صحية إقليمية مضبوطة بمؤشرات الكثافة السكانية، تُعيد توزيع بنية الخدمات طبقاً للأرقام.
7. إطلاق منصة الحضور والضغط الجماهيري عبر مواقع التواصل لمتابعة التنفيذ وتوثيق التجاوزات.
خاتمة
آيت عميرة تتلقى اليوم ضربة مزدوجة: ضربة صحية مرفقة بإهمال مؤسساتي لا يليق بمنطقة تُعد عصبًا للفلاحة المغربية، وضربة سياسية شديدة تفضح التراجع عن الوفاء بأحد الحقوق الأساسية لكل مواطن. فبينما تُغذّي الحقول أشخاصًا بأطنان من الخضر، تُرك السكان بدون دماء الأطباء الذين تُذهب بهم المسؤولية إلى المجهول. هذا الإنكار الاجتماعي لا يُقاس إلا بفارق المعايير بين ما يجب أن يكون وما هو حاليًا. نحن نراهن عبر تدخل فوري ومستمر على عودة المنطق، وُلجنة تنفيذ شفافة، واستثمار حكومي يتعامل مع الملف كأولوية قومية، لا كخبر يومي يُرشح ويمضي.
إن ضياع أرواح في الطريق، أو وفات أم حامل، أو جرح ينزف بلا تضحية كافية، ليس ظرفًا عابرًا، بل علامةٍ على عجز الدولة عن الوفاء بمصالح الناس، وتهميش الأصوات الكبرى في المناطق الاقتصادية الحساسة. هذا عيب أخلاقي مؤسساتي يجب تصحيحه اليوم.
منظمة حقوق الإنسان ومحاربة الفساد حسبت لهذا البيان ألف حساب؛ فسنظل نراقب التنفيذ، نخرّض ضغط الرأي العمومي، نسجل كل تأخير، ونطرق كل باب ما لم تبدأ عجلات التنفيذ بالدوران. أي وطن يغامر بحق أبنائه في الصحة، لا يمكن أن يُقال عنه أنه يعمر.
آيت عميرة تستحق أن تبقى على قيد الحياة والكرامة، لا أن تُنسى في زوايا إهمال بيضاء.

اترك تعليقا: