تقرير المنظمة بخصوص "فوضى التريبورتورات في المغرب: إهمال مؤسساتي وتنامي الخطر على أمن وسلامة المواطنين"
الرمز التعريفي للبيان:
ONDHLC/2025/06/26-TR-01
. الملخص التنفيذي للتقرير
موضوع التقرير: فوضى انتشار واستعمال الدراجات النارية ثلاثية العجلات (التريبورتور) وما تسببه من مخاطر جسيمة على السلامة العامة.
الجهة المُعدّة: المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد.
محاور التقرير:
عرض موجز للوضع الراهن وما يرافقه من حوادث متكررة.
تحليل قانوني لمسؤولية الجهات المتدخلة، خاصة وزارة الصناعة والتجارة ووزارة النقل والسلطات المحلية.
تحميل المسؤولية القانونية للجهات التي رخصت لهذا النوع من وسائل النقل دون تأمين وبدون تقنين شامل.
دعوة عاجلة لإنشاء صندوق وطني لتعويض الضحايا.
اقتراح حلول عملية تشمل منع التريبورتورات داخل المجال الحضري، فرض التكوين والتأمين، وتشديد المراقبة التقنية.
الهدف النهائي للتقرير: الضغط من أجل حماية أرواح المواطنين وضمان العدالة والإنصاف لضحايا هذه الوسيلة، والعمل على تقنين شامل وفعّال يحفظ التوازن بين الحق في العمل والحق في الحياة.
----------------------------------------------------------------
1. ظهور التريبورتور بالمغرب: حل اقتصادي أم مشكلة بنيوية؟
منذ بداية الألفية الثالثة، دخلت الدراجات ثلاثية العجلات، المعروفة بالتريبورتور، إلى السوق المغربية كحل بديل لنقل البضائع، خصوصًا في الأحياء التي يصعب على الشاحنات الولوج إليها. كانت الفكرة في ظاهرها تحمل بُعدًا اقتصاديًا مهمًا، عبر تمكين فئة من المواطنين من العمل لحسابهم الخاص. غير أن هذه الوسيلة سرعان ما خرجت عن وظيفتها الأصلية، لتتحول إلى مركبة لنقل الأشخاص، بما فيهم أطفال ونساء ومرضى، وهو ما شكّل تحوّلًا خطيرًا على مستوى الاستخدام، لم تواكبه أي مواكبة تشريعية أو رقابية.
حيث تحولت الدراجات النارية ثلاثية العجلات، المعروفة بـ"التريبورتور"، إلى وسيلة نقل خارجة عن القانون في شوارع الدار البيضاء، بعد أن رفعت شرطة المرور الراية البيضاء أمام سلوكيات سائقيها وتجاوزاتهم المتكررة. فمع أزمة النقل الخانقة، خاصة في ساعات الذروة، باتت هذه المركبات تنافس سيارات الأجرة والحافلات في نقل المواطنين، دون رخص أو تأمين، وبطريقة عشوائية تعرض حياة الركاب للخطر. ورغم وقوع حوادث مميتة، تستمر "التريبورتورات" في التجول بحرية تامة، مستغلة حادثة شهيرة انتهت بمعاقبة ضابط شرطة بعدما دخل في خلاف مع أحد سائقيها، لتصبح هذه السابقة باباً مشرعاً لتحدي القانون والسلطات، وتشجيعاً على التمادي في الفوضى تحت حماية "الصمت الرسمي" وتخاذل الجهات المعنية.
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد تطرح سؤالًا جوهريًا: إذا كان استيراد هذه المركبات يهدف إلى خدمة الاقتصاد غير المهيكل، فلماذا لم تُصاحب العملية بإطار قانوني وتنظيمي صارم يحدد حدود استخدامها؟ وهل جرى أصلًا تقييم جدواها وتأثيرها على المنظومة المرورية والسلامة الطرقية؟
غياب الشفافية في التقييم الأولي لهذه الوسيلة وفتح باب الاستيراد دون تقنين صارم يعكس فشلًا ذريعًا في التخطيط الحضري، ويكشف عن ثغرات كبيرة في السياسات العمومية المرتبطة بالنقل. ويتساءل العديد من الخبراء: هل كانت وزارة التجارة والصناعة على دراية بالمخاطر المحتملة حين وافقت على دخول هذه المركبات للأسواق المغربية؟ وهل أخذت بعين الاعتبار أن غايتها الأصلية نقل البضائع فقط وليس الأرواح؟
2. المسؤوليات المبعثرة: تبادل الاتهامات وتملص جماعي
لا يمكن الحديث عن هذه الفوضى من دون التطرق إلى غياب التنسيق بين الوزارات المعنية. فبين وزارة النقل واللوجستيك، وزارة الداخلية، وزارة التجارة والصناعة، ووزارة التجهيز، تضيع المسؤولية في متاهة الإحالة المتبادلة والاتهامات الضمنية. المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد ترصد هذا التملص منذ سنوات، وقد وثّقت عبر تقارير ميدانية مراسلات عدة تؤكد أن كل جهة تعتبر الأمر من اختصاص جهة أخرى.
وزارة النقل تشير في بلاغاتها إلى أن وظيفتها تقنية وتنظيمية، ولا تملك السلطة الكافية لضبط استخدام المركبة بعد الترخيص. في المقابل، ترى وزارة الداخلية أن الأمر يخص الفاعلين في مجال النقل الحضري، الذين يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم في ضبط حركة المرور. أما وزارة التجارة والصناعة، التي منحت الضوء الأخضر لاستيراد هذه المركبات، فقد فشلت في التأكد من مطابقتها لمعايير السلامة، كما لم تطالب بدراسات جدوى أو تأثيرات مرورية قبل السماح بإدخالها.
هنا تسجّل المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد باستغراب شديد هذا التراخي المؤسسي، وتطالب بإحداث لجنة وطنية مشتركة تضم كل الوزارات المعنية، من أجل تحديد المسؤوليات بشكل واضح، ومحاسبة كل جهة تسببت في هذه الفوضى التي تهدد أرواح المغاربة يوميًا.
3. الإطار القانوني الغائب: نصوص موجودة بلا تفعيل
ينص القانون المغربي في مدونة السير بوضوح على منع استخدام التريبورتور لنقل الأشخاص. النص موجود، لكنه دون تنفيذ فعلي، ما يجعل القانون حبرًا على ورق. والسؤال الجوهري الذي تطرحه المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد هو: من يراقب تفعيل هذه النصوص؟ ومن يحاسب المخالفين؟
أمام هذا القصور، أصبحت التريبورتورات تسرح وتمرح بحرية، وتحمل أحيانًا ما يفوق عشرة أشخاص في مركبة مخصصة لبضعة صناديق. هذا الخلل القانوني لا يهدد فقط السائق، بل يشكل خطرًا على كل من يشاركه الطريق: الأطفال الذين يعبرون المدارس، النساء في الأسواق، السائقين في الطرق السيارة.
وتعتبر المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد أن هذا الغياب التام لسلطة القانون هو نتيجة مباشرة لفشل التنسيق المؤسساتي، وغياب إرادة سياسية حقيقية تحمي الأرواح، وتضع حياة المواطن فوق أي اعتبار اقتصادي أو شعبي.
4. دور وزارة التجارة والصناعة: هل استوردنا وسيلة نقل أم قنبلة متحركة؟
في خضم التحليل، لا يمكن إغفال الدور الحاسم الذي تلعبه وزارة التجارة والصناعة، باعتبارها الجهة الأولى التي أعطت الضوء الأخضر لاستيراد هذه المركبات. تتساءل المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد: هل تم إخضاع هذه المركبات لدراسة تقييم جدوى؟ هل أُجريت اختبارات السلامة؟ هل طُلب من المستوردين تقديم نماذج معتمدة تُظهر صلاحية هذه المركبات للسير داخل المدن؟
عدم طرح هذه الأسئلة في وقتها، وغياب دراسات التأثير، جعل الوزارة تتورط ضمنيًا في تعميم وسيلة خطرة، دون مراعاة لمخاطرها، ولا لضماناتها التقنية، ولا حتى لهدف استخدامها. فباسم الترويج لمقاولات صغيرة، تم إدخال عشرات الآلاف من "القنابل المتحركة"، دون تجهيزها بأنظمة أمان، أو اشتراط توفرها على معايير تقنية دنيا، كالمكابح المناسبة، الهيكل المقوى، ومقاعد السلامة.
من هنا تطالب المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد بإجراء تدقيق مالي وإداري شامل لكل الصفقات المتعلقة باستيراد التريبورتورات، مع فتح ملف المسؤوليات في منح الرخص وتسجيل هذه المركبات داخل السوق المغربي.
5. مسؤولية وزارة الصناعة والتجارة
تلعب وزارة الصناعة والتجارة دورًا محوريًا في الترخيص لاستيراد وتجميع وتصنيع الدراجات النارية ثلاثية العجلات (التريبورتور)، لكنها – ورغم جسامة المسؤولية – لم تراعِ البعد الأمني والاجتماعي عند منحها لتلك التراخيص. فقد سمحت للمصانع الوطنية بتجميع وبيع هذه المركبات دون ان تقوم بالتنسيق مع باقي الوزارات المعنية كوزارة النقل واللوجستيك، وزارة الداخلية، أو المديرية العامة للأمن الوطني، مما أدى إلى غياب إطار تنظيمي متكامل. كما لم تصدر الوزارة أي دفتر تحملات تقني يُلزم الشركات المصنعة باحترام شروط تتعلق بالسلامة، متانة العربة، نظام المكابح، قوة المحرك، أو حتى الحجم المسموح به.
وزاد من خطورة هذا الوضع، عدم فرض أي قيود على المستفيدين من شراء التريبورتور، فلا يُطلب منهم تقديم شهادة تدريب أو التأمين أو حتى ما يُثبت المؤهل السياقي. وبالتالي، صار بإمكان أي شخص – ولو قاصرًا – اقتناء هذه الوسيلة دون أي متابعة رسمية. وما يُثير القلق أيضًا، هو أن الوزارة لم تُراعِ الجوانب الاجتماعية والنفسية لانتشار التريبورتور، حيث أصبحت هذه العربات رمزًا للهشاشة والفوضى وارتبطت في ذهن المواطن بسائقيها العنيفين وسلوكهم العدواني في الطرقات. هذا الوضع يقتضي مراجعة جذرية لسياسات الوزارة في هذا المجال، وربط التصنيع والترخيص برؤية وطنية شاملة تستحضر الأمن الطرقي وسلامة المواطنين قبل كل شيء.
6. مسؤولية وزارة النقل
وزارة النقل، باعتبارها الجهاز الحكومي المكلف بالسلامة الطرقية وتنظيم السير والجولان، تتحمل قسطًا كبيرًا من المسؤولية في هذا الملف. فهذه الوزارة لم تُصدر أي مذكرة تنظيمية أو نص قانوني يخص التريبورتورات، رغم الانتشار الواسع لهذه العربات منذ أكثر من عقد. كما أنها لم تُدرج مستعمليها ضمن برامج التكوين السياقي، ما يعني أن أغلب سائقي هذه المركبات لا يخضعون لأي نوع من التدريب المهني أو التقني على استعمال وسيلة بهذا الحجم والخطورة.
والأدهى من ذلك، أن وزارة النقل لا تفرض أي اختبار تقني دوري على التريبورتورات كما هو معمول به مع المركبات الأخرى، ولا تُجبر أصحابها على إجراء مراقبة ميكانيكية أو تقديم شهادة التأمين عند التنقل في الطرقات. كل هذا جعل التريبورتور يتحول إلى مركبة “شبح” تعمل خارج القانون، دون أن تتدخل الوزارة لتنظيمه، رغم أن مهامها تشمل الإشراف على السلامة الطرقية، وضع الاستراتيجيات الوطنية، وتنسيق العمل بين القطاعات المعنية. بل وحتى الحملات التوعوية التي تشرف عليها الوزارة لم تتناول مخاطر التريبورتورات بالشكل الكافي، مما يُظهر نوعًا من الإهمال المؤسسي تجاه هذه الإشكالية المتفاقمة.
7. مسؤولية الجماعات المحلية والسلطات الترابية
الجماعات المحلية والسلطات الترابية بدورها تتحمل مسؤولية قانونية وإدارية مباشرة، نظرا لكونها تشرف على تنظيم السير داخل النفوذ الترابي لكل جماعة. لكن على أرض الواقع، هناك غياب شبه تام لأي تدخل ميداني من طرف الشرطة الإدارية التابعة للجماعات في مراقبة استعمال التريبورتور داخل الفضاءات الحضرية. فلا توجد قرارات تنظيمية محلية تحدد المسارات المسموح بها، أو المواقف الخاصة، أو الأوقات المناسبة للاشتغال، ما يؤدي إلى احتلال عشوائي للفضاءات العامة وتهديد سلامة المارة.
أما السلطات الترابية، وعلى رأسها الباشاوات والقياد، فغالبًا ما تتغاضى عن الخروقات اليومية التي يرتكبها مستعملو هذه العربات، ربما بدافع تجنب الصدامات أو لغياب تعليمات مركزية واضحة. والنتيجة أن التريبورتورات تسير بشكل غير قانوني في الأزقة والأسواق والمناطق السياحية، محولة المجال العام إلى فوضى حقيقية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الجماعات تستفيد من عائدات غير مباشرة من هذه الفوضى، مثل الرسوم غير القانونية المفروضة في بعض الأسواق، وهو ما يعمق الإشكال ويزيد من تواطؤ الجهات المعنية مع الظاهرة.
8. ثغرات في التسجيل والتأمين
أحد أبرز أوجه القصور التي تزيد من خطورة استعمال التريبورتورات هو غياب آليات تسجيل واضحة لهذه المركبات، إلى جانب ضعف كبير في منظومة التأمين. ، وبعضهم يستعمل عربات تم تجميعها محليًا دون احترام أي معايير صناعية. كما أن التأمين – عندما يوجد – يكون غالبًا تأمينًا ضد الغير فقط، لا يشمل الركاب أو البضائع، ولا يُعوض الأضرار الجسدية في حال وقوع حادثة.
والأخطر من ذلك، أن عددًا من السائقين يستعملون وثائق تأمين منتهية الصلاحية، دون أن يتم توقيفهم أو متابعتهم قضائيًا، بسبب غياب المراقبة الطرقية الفعالة، أو بسبب التراخي الإداري من قبل الجهات المعنية. وهذا الخلل يجعل مبدأ “المسؤولية المدنية” معطلًا، ويترك الضحايا دون سند قانوني، مما يهدد الأمن القانوني والاجتماعي في البلاد. كما يُشكل ذلك خرقًا صريحًا للفصل 6 من مدونة التأمينات المغربية، التي تنص على وجوب التأمين على كل وسيلة نقل ميكانيكية.
بالطبع، إليك إعادة صياغة الفقرة مع التركيز على التساؤل المحوري: هل يشمل "صندوق ضمان حوادث السير" تعويض ضحايا التريبورتورات؟
9. ضحايا بدون حماية قانونية: هل يشملهم صندوق ضمان حوادث السير؟
رغم وجود "صندوق ضمان حوادث السير" في المنظومة القانونية المغربية، والذي تم إنشاؤه لتعويض ضحايا الحوادث الناتجة عن مركبات غير مؤمنة أو مجهولة الهوية، إلا أن التساؤل الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يشمل هذا الصندوق ضحايا حوادث التريبورتورات؟
الواقع العملي يشير إلى أن فئة كبيرة من المتضررين من هذه الحوادث لا تستفيد من أي تعويض فعلي، بالرغم من توافر شروط الخطر والمأساة. غالبًا ما تكون المركبة غير مؤمنة، والسائق بدون رخصة قيادة، أو يكون قاصرًا، أو في وضعية اجتماعية هشة، مما يجعل إمكانية التعويض مستحيلة سواء من طرفه أو من خلال التأمين. وهنا تُطرح إشكالية قانونية حقيقية تتعلق بمدى شمولية "صندوق الضمان" لهذه الفئة.
مدونة التأمينات تنص على أن الصندوق يُعوض المتضررين في حال تعذر تحديد هوية الفاعل أو عدم توفر المركبة على تأمين ساري، لكن غياب تأطير قانوني واضح لمركبات التريبورتور، وتداخل التصنيفات المتعلقة بها (هل هي دراجة نارية؟ عربة نقل بضائع؟ مركبة ذات محرك خفيف؟) يضع الضحايا خارج دائرة الاستفادة في كثير من الأحيان.
وفي ظل غياب أي صندوق خاص أو آلية وطنية بديلة تعوض هؤلاء، يصبح الضحايا عرضة للتهميش والحرمان من حقوقهم الأساسية، لا سيما الحق في العلاج، وإعادة التأهيل، والتعويض العادل.
إن استمرار هذا الفراغ التشريعي والتقني يُعد خرقًا صريحًا لمقتضيات الفصل 31 من الدستور المغربي، وللاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مما يفرض على الدولة إعادة النظر في شمولية صندوق الضمان، أو إحداث صندوق خاص يعنى بهذه الفئة المتزايدة من المتضررين، مع تبسيط مساطر الاستفادة وتوفير تمويل مستدام له.
10. توصيات عاجلة للسلطات العمومية
بناءً على ما سبق من اختلالات وثغرات خطيرة، توصي المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد باتخاذ جملة من التدابير العاجلة والملزمة، وعلى رأسها:
1. إصدار قانون خاص يُنظم عمل واستعمال التريبورتورات في المجال الحضري وشبه الحضري، مع تصنيفها ضمن وسائل النقل الخاصة بالبضائع فقط، ومنع استعمالها لنقل الأشخاص.
2. فرض تكوين إلزامي لكل من يرغب في الحصول على رخصة سياقة هذه المركبات، مع ضرورة اجتياز اختبارات نظرية وتطبيقية.
3. إنشاء سجل وطني موحد لتسجيل التريبورتورات وربطها بهوية مالكها، وتفعيل المراقبة التقنية الدورية تحت إشراف وزارة النقل.
4. فرض تأمين شامل، يُغطي الأضرار الجسدية والمادية لكل مستعمل، سواء من الركاب أو المارة أو مالكي المركبة.
5. تفعيل دور الشرطة الإدارية على المستوى المحلي لضبط استعمال هذه العربات، مع تفعيل غرامات رادعة ضد المخالفين.
6. إشراك المجتمع المدني في حملات التوعية بمخاطر التريبورتور وسلوكيات القيادة الآمنة.
7. إلزام المصانع بتطبيق معايير دقيقة في التجميع والتسويق، تحت إشراف لجنة مختلطة من الوزارات المعنية.
10. تحديد المسؤولية وضرورة إنشاء صندوق وطني لتعويض الضحايا
إن تحديد المسؤوليات القانونية والإدارية لم يعد كافيًا وحده، إذ أصبح من الضروري اليوم التفكير في آليات إنصاف الضحايا وتعويضهم بشكل مباشر وعادل. وفي هذا السياق، تُوصي المنظمة بإحداث صندوق وطني لتعويض ضحايا التريبورتورات، على غرار صندوق حوادث السير، يُمول من طرف شركات التأمين، الدولة، والجماعات المحلية، ويُشرف عليه مجلس رقابة مكون من ممثلي الدولة، المجتمع المدني، والقضاء.
هذا الصندوق سيمكن من التكفل الفوري بالضحايا، سواء تعلق الأمر بالعلاج، الجراحة، أو التعويض عن الإعاقة، دون الحاجة إلى انتظار صدور حكم قضائي قد يستغرق سنوات. كما أنه يُعيد التوازن للمنظومة القانونية التي ظلت غير منصفة للضحايا، ويُشكل آلية حمائية تضمن الاستمرارية الاجتماعية والعدالة الإنسانية. وفي ظل ارتفاع عدد الإصابات والخسائر البشرية الناجمة عن هذه العربات، لم يعد الصمت مقبولًا، ولم يعد التغاضي خيارًا، بل أضحى لزامًا على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في حماية الأرواح وضمان كرامة المصابين.
11. نحو عدالة إنصاف ضحايا التريبورتور: ضرورة إحداث صندوق وطني للتعويض
إن تحديد المسؤوليات الإدارية والجنائية في فوضى انتشار التريبورتورات لا يمكن أن يكتمل دون التفكير في الجانب الإنساني الأهم: ضحايا هذه الوسيلة الفتاكة، الذين فقدوا أرواحهم أو تعرضوا لإعاقات جسدية أو نفسية دائمة، دون أي حماية قانونية أو تعويض عادل.
تعتبر المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد أن الدولة، بكل مؤسساتها، تتحمل مسؤولية مباشرة – سواء بالفعل أو بالإهمال – عن الوضع الذي سمح بانتشار هذه الوسيلة دون إطار قانوني صارم، ودون مراقبة تقنية، ودون أي نظام تأميني يُراعي حجم الخطر. ولذلك، تُطالب المنظمة بإحداث صندوق وطني لتعويض ضحايا التريبورتور، على غرار الصناديق المعمول بها في بعض الدول التي تعرف انتشار وسائل نقل بديلة محفوفة بالمخاطر.
أهداف الصندوق:
تعويض أسر الضحايا الذين لقوا حتفهم بسبب حوادث التريبورتور.
تغطية تكاليف العلاج وإعادة التأهيل لضحايا الحوادث.
ضمان تغطية التأمين الإجباري لجميع سائقي هذه الوسيلة قبل ترخيصها.
تمويل حملات توعية وتكوين لفائدة مستعملي هذه الوسيلة.
دعم الأسر التي فقدت معيلها بسبب هذه الوسائل، وخاصة الأرامل والأيتام.
مصادر تمويل الصندوق:
مساهمات من وزارة النقل واللوجستيك ووزارة التجارة والصناعة.
نسبة من رسوم الاستيراد والترخيص للتريبورتورات.
دعم من الجماعات المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
تبرعات مؤسسات التأمين، ومساهمات من الشركات المصنعة والمستوردة.
إن إنشاء هذا الصندوق لن يكون فقط خطوة نحو جبر الضرر، بل أيضًا إشارة سياسية واضحة على تحمل الدولة لمسؤولياتها، وانخراطها في حماية الحقوق الأساسية لمواطنيها، لا سيما الحق في الحياة والسلامة والكرامة.
12. نحو حلول عملية وشاملة: لا للتقنين في غياب التخطيط
ترى المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد أن معالجة هذا الوضع لا يجب أن تقتصر على الحلول الترقيعية، أو تقنين الوضع الراهن بطريقة تشرعن الفوضى. بل يجب التفكير في حلول استراتيجية عميقة ومستدامة، تضع سلامة المواطن فوق كل اعتبار.
من بين هذه الحلول المقترحة:
1. إعادة هيكلة منظومة النقل الحضري، من خلال توفير وسائل نقل بديلة وآمنة، ومنح امتيازات لأصحاب الدخل المحدود لاستخدامها.
2. فرض التكوين الإجباري للسائقين، مع إحداث مدارس لتكوين سائقي التريبورتورات في قوانين السير والسلامة.
3. إدخال مراقبة تقنية صارمة على كل تريبورتور قبل الترخيص له، تمامًا كما هو الحال مع باقي وسائل النقل.
4. منع سير التريبورتورات في المناطق الحضرية الكبرى والمناطق الحساسة كقرب المدارس، المستشفيات، والمراكز التجارية، وحصر استعمالها في المناطق القروية والصناعية فقط، وفق ترخيص خاص.
5. إشراك المجتمع المدني والهيئات الحقوقية، مثل المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، في كل مرحلة من مراحل الإصلاح، لضمان التوازن بين الأمن والحقوق.
بدون أمن مواطني
إن استمرار الفوضى في استعمال "التريبورتور" هو انعكاس لفشل متعدد الأبعاد: فشل تشريعي، تقني، اجتماعي، وأمني. والأخطر من ذلك أنه فشل إنساني، يتمثل في الأرواح التي تُزهق يوميًا بلا مبرر، والإعاقات التي تتحول إلى مآسي دائمة، والعائلات التي تُترك وحيدة في مواجهة المصير دون سند قانوني أو تضامن مؤسساتي.
تدق المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد ناقوس الخطر، وتدعو الدولة المغربية – بجميع مؤسساتها – إلى تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والدستورية في حماية حياة المواطنين. ولا يمكن لأي برنامج تنموي أو اجتماعي أن ينجح إذا استمر نزيف الطرقات بهذه الوتيرة، وإذا ظلت هذه الوسيلة تشتغل خارج القانون، خارج المراقبة، وخارج العدالة.
لقد آن الأوان لإحداث ثورة قانونية ومجتمعية تُعيد ترتيب الأولويات، وتجعل من السلامة المرورية وكرامة المواطن نقطة ارتكاز لكل السياسات العمومية. كما تُجدد المنظمة تأكيدها على ضرورة إحداث صندوق وطني لتعويض الضحايا، وإشراك فعاليات المجتمع المدني في صياغة وقيادة هذا التحول المطلوب.
خاتمة: نحو مقاربة شاملة تُنقذ الأرواح وتصون الكرامة
إن فوضى التريبورتورات في المغرب لم تعد مجرد مسألة نقل غير مهيكل أو مشكل مرور عابر، بل تحولت إلى معضلة اجتماعية وقانونية وأمنية متفاقمة، تُهدد حياة المواطنين وسلامتهم، وتُقوض ثقة الناس في سيادة القانون وفي فعالية المؤسسات العمومية. لقد أضحى آلاف الضحايا، من رجال ونساء وأطفال، عرضة للموت أو الإصابة أو الإعاقة دون أن يجدوا أي حماية قانونية أو تعويض عادل، في ظل استمرار الفراغ التشريعي، وغياب الرقابة، وتضارب الاختصاصات.
ولعل الأخطر من ذلك هو أن الدولة، رغم توفرها على أدوات التدخل، لم تعتمد بعد مقاربة شاملة تدمج بين الردع القانوني، والتنظيم الحضري، والحماية الاجتماعية، وإدماج المهنيين في الاقتصاد الرسمي. إن الأمر لم يعد يحتمل المزيد من التسويف أو التجزيء في المعالجة، بل يحتاج إلى قرار سياسي شجاع، يعيد ترتيب الأولويات لصالح الإنسان وكرامته.
إننا في المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، نُجدد دعوتنا العاجلة إلى:
مراجعة شاملة للقوانين المنظمة لحركة التريبورتورات، وتحديد إطار قانوني واضح لاستعمالها.
فرض التأمين الإجباري، والربط التلقائي بالتسجيل المهني، ومنع القاصرين من قيادتها.
إحداث صندوق وطني مستقل لتعويض ضحايا الحوادث غير المغطاة، مع تبسيط إجراءات الاستفادة منه.
تنظيم حملات وطنية للتوعية بمخاطر هذا النوع من النقل، وتشجيع البدائل الآمنة.
تعزيز مراقبة السلطات الترابية والأمنية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فحياة المواطنين ليست رهينة فوضى، وكرامة الضحايا لا تُقاس بربح أو خسارة، بل هي واجب وطني وأخلاقي ودستوري. إن صون الحق في الحياة والسلامة الجسدية لا يجب أن يبقى شعارًا، بل ممارسة يومية ومؤسسية تستجيب لانتظارات الشعب المغربي، وتُعيد الثقة في دولة الحق والقانون.
#الدار_البيضاء #الحي_الحسني #تريبورتور #النقل_غير_المنظم #فوضى_المرور #خطر_الشارع #السلامة_الطرقية #معاناة_المواطن #تقصير_السلطات #غياب_الرقابة #العشوائية_في_النقل #الحق_في_المرور_الآمن #الفوضى_في_المدن #تحديات_الحياة_الحضرية #نقل_عشوائي #حقوق_الساكنة #فساد_المسؤولين #المجتمع_المدني #مطالب_شعبية #سلامة_الطرق #الحق_في_الأمن #تدخل_عاجل #وسائل_النقل_الخطيرة #وسائل_نقل_بدون_ترخيص #النقل_في_المغرب #صوت_المواطن #الإعلام_البديل #عدسة_الواقع #حملة_ضد_الفوضىكل التفاعلات:
اترك تعليقا: