تقرير المنظمة تقييمي حول صفقات شراء سيارات الإسعاف في المغرب لسنوات 2017 و2024 و2025
الرمز التعريفي للبيان:
ONDHLC/MS/AMBULANCE-AUDIT/2017-2025/REP-001
في إطار مهامها الرقابية والحقوقية، تتابع المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد بقلق بالغ تطورات الصفقات العمومية المتعلقة بقطاع الصحة، خاصة تلك المرتبطة باقتناء سيارات الإسعاف التي يفترض أن تكون إحدى ركائز المنظومة الصحية الوطنية، ووسيلة رئيسية لضمان الحق في العلاج والنقل الاستعجالي للمواطنين في جميع أنحاء المملكة.
وقد أثار الإعلان عن صفقة سنة 2025 بقيمة تناهز 4.7 مليار سنتيم لاقتناء 70 سيارة إسعاف من صنف A، موجة من التساؤلات والشكوك، خصوصًا عند مقارنتها بعروض سابقة مثل صفقة سنة 2024 التي همّت اقتناء 122 سيارة إسعاف بكلفة إجمالية أقل، وصفقة سنة 2017 التي شهدت بدورها اختلالات مالية كبيرة، بحسب تقارير رقابية وإعلامية.
هذه المفارقات المثيرة تضعنا أمام عدة إشكالات محورية: أين ذهبت السيارات المقتناة سابقًا؟ لماذا لم نرَ أثرها في المراكز الصحية البعيدة أو في المدن الصغيرة التي تفتقر لأي شكل من أشكال الإسعاف؟ وهل فعلاً نحتاج لسيارات إسعاف بمواصفات أشبه بالمستشفيات المتنقلة؟ أم أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الصفقات هو شيء آخر غير خدمة المواطن؟
هذا التقرير التفصيلي، الذي أعدته المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، يسعى إلى تسليط الضوء على خيوط هذه الصفقات، وتحليل المعطيات التقنية والمالية المتعلقة بها، ومقارنة الأرقام والنتائج الميدانية، وذلك من أجل طرح الأسئلة التي تؤرق المواطن البسيط: أين سيارة الإسعاف حين أحتاجها؟ ولماذا أضحت كل صفقة جديدة أكثر تكلفة وأقل نجاعة؟
تُعتبر منظومة النقل الصحي أحد الأعمدة الأساسية في أي نظام صحي متكامل، إذ تلعب سيارات الإسعاف دوراً محورياً في إنقاذ الأرواح وتقديم الرعاية الصحية الطارئة، خاصة في المناطق النائية. إلا أن تساؤلات كثيرة باتت تُطرح بحدة حول الصفقات العمومية المتعلقة باقتناء سيارات الإسعاف في المغرب، لاسيما بعد تتبع ثلاث صفقات بارزة في أعوام 2017، 2024، و2025.
في عام 2017، تم اقتناء 100 سيارة إسعاف بثمن قُدّر بـ340 ألف درهم للوحدة، رغم أن تقارير مستقلة أشارت إلى أن الثمن الحقيقي لا يتجاوز 150 ألف درهم. هذه الفجوة المالية أثارت حينها الشكوك حول الشفافية والتدبير المعقلن للمال العام.
وفي عام 2024، أطلقت وزارة الصحة صفقة جديدة لاقتناء 122 سيارة إسعاف من صنفين A وB، بتكلفة إجمالية بلغت حوالي 72 مليون درهم. ثم في عام 2025، عادت الوزارة لتطلق صفقة إضافية لشراء 70 سيارة إسعاف فقط من صنف A، بكلفة فاقت 47.6 مليون درهم، أي ما يعادل تقريباً 680 ألف درهم للوحدة، وهو ما يُعد ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالصفقات السابقة.
هذا التفاوت الكبير في الأسعار والكمية المطروحة، بالإضافة إلى غياب تقارير واضحة حول مصير السيارات المقتناة سابقاً، يدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول جدوى هذه الاستثمارات، وفعالية التخطيط، وشفافية تدبير المال العام. كما يدفعنا إلى التساؤل حول البدائل التقنية والاقتصادية الممكنة لتوفير خدمات الإسعاف دون اللجوء إلى مركبات فائقة التجهيز تتجاوز الحاجة الفعلية في كثير من المناطق.
15 سؤالاً محورياً لتقويم الصفقات:
1. أين ذهبت سيارات الإسعاف التي تم اقتناؤها في صفقة 2017؟ وهل ما زالت قيد الخدمة؟
2. هل قامت الوزارة بأي تقييم لمدى فعالية تلك السيارات على أرض الواقع؟
3. لماذا لم تُعلن الوزارة عن تقارير دورية لتقييم استعمال وصيانة هذه المركبات؟
4. ما هو مبرر ارتفاع أسعار سيارات الإسعاف في صفقة 2025 مقارنة بسنة 2024 رغم انخفاض عدد السيارات؟
5. هل تم الاعتماد على معايير واضحة وموضوعية عند تحديد الكلفة التقديرية لهذه الصفقات؟
6. هل تتناسب المواصفات التقنية العالية لسيارات الإسعاف مع طبيعة استعمالها الميداني في المناطق القروية؟
7. لماذا لا يتم اللجوء إلى حلول أقل تكلفة مثل الإسعاف المتنقل القاعدي أو التعاقد مع القطاع الخاص؟
8. ما هو دور مجلس المنافسة في تتبع هذه الصفقات العمومية؟
9. هل هناك جهات رقابية محايدة تراقب مدى احترام دفاتر التحملات؟
10. ما حجم الفساد أو الزبونية المحتملة في إسناد هذه الصفقات؟
11. لماذا يتم تفويت الصفقات أحياناً لنفس الشركات أو شخصيات معروفة؟
12. ما هو مصير سيارات الإسعاف غير المستعملة أو المعطلة؟
13. هل تمت دراسة حاجيات الأقاليم فعلياً قبل تحديد عدد ونوعية المركبات؟
14. هل توجد معايير وطنية تُلزم السلطات بحد معين من التجهيزات داخل سيارات الإسعاف؟
15. كيف يمكن تحسين الشفافية وتعزيز النجاعة في مثل هذه الصفقات مستقبلاً؟
عناوين فرعية:
1. قراءة تحليلية لصفقة 2017
شهدت صفقة 2017 اقتناء 100 سيارة إسعاف بقيمة إجمالية تُقدّر بـ340 مليون سنتيم للوحدة، رغم أن تحقيقات وتقارير مستقلة قدرت سعر السوق الحقيقي بـ150 مليون فقط. وأشار تقرير صادر عن الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة إلى أن هذه السيارات لم تكن عملية بسبب حجمها الكبير، ما جعلها غير مناسبة لاحتياجات المندوبيات الصحية. كما أن استخدامها يتطلب أطقم طبية وسائقين بخبرة خاصة غير متوفرة في أغلب الحالات.
2. صفقة 2024: عدد أكبر وسعر معتدل
تميزت صفقة سنة 2024 بتوازن نسبي بين الكلفة وعدد السيارات، حيث تم اقتناء 122 سيارة إسعاف (72 من صنف A و50 من صنف B) بكلفة إجمالية حوالي 72 مليون درهم. ما يُميز هذه الصفقة هو تنوع السيارات بحسب الوظيفة، ما يعكس نوعاً من المرونة في التوزيع حسب الحاجة الجغرافية والوظيفية. لكن يظل الغموض قائماً بشأن تتبع استعمال هذه السيارات وجدوى توزيعها.
3. صفقة 2025: قلة العدد وارتفاع التكلفة
في المقابل، تميزت صفقة 2025 بارتفاع ملحوظ في التكلفة رغم قلة العدد، حيث تم تخصيص 47.6 مليون درهم لاقتناء 70 سيارة فقط، أي بمعدل 680 ألف درهم للواحدة. يُلاحظ هنا تضخم غير مبرر في السعر، خاصة أن المواصفات التقنية المعلن عنها قد تكون مبالغاً فيها، مقارنة بالحاجة الفعلية للجهات المستفيدة.
4. غياب التقييم المرحلي والتقارير التقنية
من المؤسف أن وزارة الصحة لم تنشر أي تقييم مرحلي أو تقني لمدى فعالية أو جدوى السيارات المقتناة في السنوات الماضية. كما لم تصدر تقارير تحدد الأعطاب المسجلة، أو درجة رضا المندوبيات الصحية عن هذه الوسائل، مما يفتح المجال أمام التخمينات والاتهامات بعدم الشفافية.
5. دور الرقابة المالية والهيئات المستقلة
تُطرح علامات استفهام حول دور المؤسسات الرقابية مثل المجلس الأعلى للحسابات أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، في تتبع هذا النوع من الصفقات. في ظل تضخم الكلفة العمومية وغياب تقييمات محايدة، يبقى التساؤل مطروحاً حول جدوى هذه الهيئات ومردوديتها الفعلية.
6. المعايير التقنية: ضرورة أم ترف؟
رغم أن المواصفات التقنية المُعلنة تبدو متقدمة وتشمل تجهيزات عالية الجودة، إلا أن التساؤل الجوهري يبقى: هل فعلاً يحتاج المغرب إلى سيارات إسعاف بمثل هذا التجهيز؟ أليس من الأنسب اقتناء مركبات أقل تكلفة وتوجيه الميزانيات الزائدة إلى مراكز العلاج أو التكوين؟
7. تحديات التوزيع الجغرافي العادل
حتى وإن كانت السيارات تستجيب للمعايير الدولية، فإن السؤال الأهم يتعلق بكيفية توزيعها. في مناطق جبلية أو نائية، غالباً لا تصل هذه المركبات بسبب التضاريس أو ضعف البنية التحتية. لذلك، فإن توزيعها يحتاج إلى استراتيجية وطنية عادلة، وليس مجرد حساب عددي.
8. البدائل الممكنة لتعزيز النقل الصحي
هناك حلول مبتكرة استخدمتها دول أخرى، مثل التعاقد مع شركات النقل الطبي، استخدام دراجات إسعاف مجهزة للمناطق الضيقة، أو توظيف طائرات صغيرة في الحالات القصوى. من غير المعقول أن تُخصص ملايين الدراهم فقط في مركبات لا تُستخدم إلا في حالات نادرة.
9. مسؤولية الإعلام والمجتمع المدني
يُفترض أن يقوم الإعلام الاستقصائي والجمعيات الحقوقية بدور أساسي في تتبع مثل هذه الصفقات. ومع ذلك، نلاحظ محدودية التغطية الإعلامية والبحث المعمق، ما يجعل الملف رهين ما يتم تسريبه من داخل الوزارة أو صراعات سياسية.
10. الدروس المستخلصة والآفاق المستقبلية
من خلال المقارنة بين صفقات 2017 و2024 و2025، يتضح أن التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ العملي يعانيان من نقص كبير في الرؤية والتنسيق. وتبقى الحاجة إلى نظام وطني موحد لتدبير النقل الصحي، قائم على الاحتياجات الواقعية وليس على منطق "الصفقات الكبرى".
بالطبع، إليك فقرتين إضافيتين تسلطان الضوء على معاناة المواطن في العثور على سيارة إسعاف، وتكشفان التناقض بين كثرة الصفقات المعلنة وندرة الخدمة على أرض الواقع:
عندما تُصبح سيارة الإسعاف كالإبرة في كومة قش
رغم الإعلانات الرسمية المتكررة عن اقتناء عشرات سيارات الإسعاف بمليارات السنتيمات، يظل المواطن المغربي البسيط، وخاصة في المناطق القروية والهامشية، في مواجهة واقع مرير كلما احتاج إلى خدمة نقل صحي مستعجل. فطلب سيارة إسعاف يُشبه أحيانًا البحث عن "إبرة في كومة قش"، إذ تمر الدقائق ثقيلة على أسر المرضى بينما الهاتف يرن دون مجيب، أو يأتي الرد البارد: "ماكايناش السيارة دابا، صبروا شوية، غادي نشوفو.".
تجارب المواطنين متعددة وصادمة. فقد تضطر عائلة إلى نقل مريض على متن سيارة خاصة أو شاحنة، رغم حالته الحرجة، لعدم توفر سيارة إسعاف أو لكونها معطلة أو خارج التغطية. والمفارقة المحزنة أن هذه المعاناة مستمرة منذ سنوات، رغم ما تم الإعلان عنه من صفقات كبرى يفترض أنها عززت أسطول النقل الصحي الوطني بمئات السيارات المجهزة بأحدث التقنيات. فما الجدوى من هذه التجهيزات إذا كان الوصول إلى أبسط خدمة إسعافية يظل حلمًا بعيد المنال؟ وكيف لمواطن في دواوير معزولة أن يُصدّق أن هناك سيارات حديثة بنظام GPS وثلاجة مدمجة، بينما هو عاجز عن تأمين مجرد وسيلة لنقل مريضه؟
المفارقة بين الشعارات والواقع الميداني
الخطاب الرسمي يُبشر كل سنة بتحسين ظروف النقل الصحي، لكن النزول إلى الميدان يفضح الحقيقة المؤلمة: قاعات الانتظار تعج بالمرضى، والممرضون يتوسلون وسيلة نقل، والسيارات المتوفرة غالبًا ما تكون متهالكة أو غير صالحة للعمل. المواطن، في لحظة الحاجة، لا يهمه إن كانت السيارة مصنوعة من مواد مضادة للبكتيريا أو مجهزة بأجهزة استشعار، بل يريد فقط وسيلة تنقذ حياة قريبه، تصل في الوقت المناسب، وتتوفر في جميع التراب الوطني دون تمييز.
هذه الهوة بين ما يُعلن وما يُنفذ تطرح تساؤلات حقيقية حول مصير تلك الصفقات، ومدى تتبع الوزارة لمردودية المعدات التي تم اقتناؤها. كما تكشف الحاجة إلى استراتيجية تركز على فعالية الخدمة لا على ترف التجهيزات.
توصيات:
1. إجراء افتحاص شامل لصفقات سيارات الإسعاف منذ 2017.
2. تفعيل المراقبة البرلمانية على ميزانيات الصحة.
3. اعتماد معايير واضحة عند تحديد الكلفة التقديرية.
4. إشراك المجتمع المدني في تتبع تنفيذ الصفقات.
5. التوجه نحو حلول بديلة ومبتكرة للنقل الصحي.
6. تعزيز التكوين في مجال استعمال وصيانة سيارات الإسعاف.
7. نشر تقارير دورية حول توزيع السيارات واستعمالها.
8. الحد من تركيز الصفقات بيد شركات محظوظة أو متكررة.
9. تقوية التنسيق بين وزارة الصحة ومندوبياتها الجهوية.
10. اعتماد الشفافية الكاملة في نشر تفاصيل الصفقات.
خاتمة تحليلية
إن تتبع صفقات سيارات الإسعاف في المغرب خلال السنوات الثلاث الأخيرة يكشف عن اختلالات بنيوية في تدبير المال العام، ويطرح علامات استفهام عميقة حول أولويات وزارة الصحة واختياراتها الاستراتيجية. فعندما يُخصص مبلغ ضخم لاقتناء 70 سيارة فقط، بينما سبق أن اقتُني عدد أكبر بمبالغ أقل، يصبح السؤال حول جدوى هذه السياسات أمراً حتمياً.
ولا يمكن الحديث عن إصلاح منظومة النقل الصحي دون مساءلة فعلية حول مآل هذه السيارات، وجدوى استعمالها، ومدى تكيّفها مع واقع المناطق الجغرافية المختلفة. فالمغرب ليس كبريات الدول الأوروبية التي تفرض تجهيزات فائقة في سيارات الإسعاف، بل إن الحاجة الأكثر إلحاحاً تتمثل في وجود سيارة قابلة للاستعمال اليومي، وصالحة للعمل في الأرياف.
إن التحول الحقيقي لا يكون عبر الصفقات الفخمة، بل عبر تقييم السياسات، وسنّ قواعد للمحاسبة، واعتماد خطط منسجمة تتجاوز منطق "العرض والتفويت"، نحو بناء منظومة صحية متكاملة، قائمة على الكفاءة، العدل، والفعالية. وهذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يتحمل الجميع مسؤولياته من رقابة وإعلام ومجتمع مدني وسلطات.
ما نحتاج إليه فعلاً هو إدماج النقل الصحي في رؤية شاملة للصحة العمومية، ووضع حدٍّ لممارسات التبذير أو المحاباة في صرف المال العام، وتوجيه الاعتمادات نحو ما ينقذ الأرواح فعلياً، لا ما يُزخرف الصفقات بالكماليات.
:
اترك تعليقا: