بيان المنظمة حول فضيحة نتائج الامتحانات الإشهادية بطنجة-أصيلة: خطأ إداري وتقني يهز ثقة الأسر المغربية في المنظومة التعليمية
أعداد : بشرى العصيوي
الرمز التعريفي للبيان
المقدمة
في الوقت الذي تترقب فيه الأسر المغربية نتائج أبنائها الدراسية بقلوب خافقة، أملاً في قطف ثمار عام كامل من الكد والاجتهاد، هزّت الساحة التربوية بمدينة طنجة-أصيلة حادثة تربوية خطيرة لا يمكن وصفها إلا بالفضيحة الأخلاقية والمهنية الكبرى. في مشهد محزن ومخجل، عاشت أسر كثيرة فرحة لم تدم إلا ساعات قليلة، بعدما تلقى أبناؤهم خبر نجاحهم صباحاً، قبل أن يتحول هذا النجاح إلى رسوب مؤلم مساءً، بسبب خطأ جسيم في احتساب معدلات مادة اللغة الفرنسية. إن هذا الخطأ التقني والإداري، الذي مسَّ نتائج السنة الثالثة إعدادي، يعد دليلاً واضحاً على هشاشة المنظومة الرقمية والتعليمية، وغياب الحد الأدنى من الرقابة والمهنية داخل المصالح التربوية.
ولأن الكرامة الإنسانية وحقوق الطفل هي أولى أولوياتنا، فإننا في المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد نعتبر هذا الحادث مساً خطيراً بحقوق التلاميذ المغاربة في تعليم عادل ونزيه، وضرباً صارخاً لثقة المجتمع في مؤسسات الدولة التعليمية. وعوض أن تُتَّخذ إجراءات استباقية تضمن سلامة العملية التقييمية، وتفادي مثل هذه الأخطاء الفادحة، اكتفت الجهات المعنية بإصدار أوامر شفوية عاجلة لتعليق النتائج، دون تقديم أي اعتذار رسمي أو توضيح للرأي العام.
ومن هذا المنطلق، نعلن للرأي العام الوطني، وللأسر المغربية، عن موقفنا الواضح إزاء هذه الواقعة التي تُعتبر سابقة خطيرة في تاريخ الامتحانات الإشهادية بالمغرب، ونؤكد أننا سنتابع هذا الملف بكل جدية، إلى حين الكشف عن جميع المسؤوليات، وضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء مستقبلاً.
1. توصيف دقيق للواقعة
شهدت مؤسسات تعليمية بطنجة-أصيلة صباح الثلاثاء 1 يوليوز 2025، أجواءً احتفالية بعد إعلان نتائج السنة الثالثة إعدادي للموسم الدراسي 2024-2025. فقد أعلنت عدد من الإعداديات التابعة للمديرية الإقليمية نتائج الامتحانات على لوائحها الرسمية ومن خلال منصة "مسار" الإلكترونية، وسط فرحة غامرة اجتاحت التلاميذ وأولياء أمورهم. إلا أن هذه الفرحة تحولت في ساعات قليلة إلى صدمة كبرى، بعدما تلقت المؤسسات التربوية تعليمات عاجلة من المديرية الإقليمية بسحب النتائج المعلنة، بدعوى اكتشاف خطأ في احتساب المعدلات النهائية.
وقد تبين لاحقاً أن الخطأ نجم عن عدم إدراج نقطة مادة اللغة الفرنسية في عملية احتساب المعدلات، وهي مادة أساسية معاملها 3، ما أدى إلى تغيير جذري في نتائج العديد من التلاميذ. فمنهم من كان قد اعتبر نفسه ناجحاً وأبلغ أسرته بذلك واحتفل رفقة زملائه، ليجد نفسه مساءً مصنفاً ضمن الراسبين. ومنهم من كانت نتيجته على العكس، ليعيش الجميع حالة من الارتباك النفسي والمجتمعي العميق.
هذه الواقعة المؤسفة تعكس بجلاء غياب الكفاءة المهنية في تدبير محطات التقييم الإشهادي، التي يفترض أن تخضع لرقابة دقيقة ومراجعة صارمة قبل إعلانها، ضماناً لحقوق التلاميذ ومصداقية العملية التعليمية برمتها.
2. الأسباب التقنية والإدارية المعلنة وغير المعلنة
حسب تصريحات مسؤولين في المديرية الإقليمية، فقد تم إرجاع الخطأ إلى خلل تقني محدود في عملية إدخال نقط مادة الفرنسية إلى منصة "مسار". إلا أن هذا التفسير، وإن بدا تقنياً في ظاهره، يخفي وراءه قصوراً إدارياً كبيراً في آليات المراقبة والمصادقة على النتائج النهائية قبل نشرها. فأين كانت لجان التدقيق؟ وأين كانت المراجعات التقنية التي ينبغي أن تسبق كل إعلان رسمي؟
إن الواقعة لا تتعلق بخطأ برمجي طارئ أو اختراق خارجي، بل هي نتيجة مباشرة لسوء تدبير داخلي، وعدم كفاءة بشرية في مراقبة مراحل إدخال وتدقيق البيانات التربوية. كما أن الغياب التام لخطط الطوارئ في مواجهة مثل هذه الأخطاء التقنية، يؤكد هشاشة المنظومة الرقمية، ويطرح علامات استفهام حول مدى تأهيل الأطر المسؤولة عن إدارة المعطيات الحساسة المرتبطة بمصير آلاف التلاميذ.
كما أن غياب بلاغ رسمي مفصل من وزارة التربية الوطنية أو المديرية الجهوية يزيد من ضبابية الموقف، ويفتح الباب أمام الشائعات والتأويلات، في وقت كانت الشفافية تقتضي توضيح كل الملابسات للرأي العام التربوي والوطني.
3. التداعيات النفسية والاجتماعية
لم يكن لهذا الخطأ أن يمر مرور الكرام دون أن يترك ندوباً عميقة في نفسية التلاميذ وأسرهم. فالأطفال الذين عاشوا لحظة فرح غامرة بنجاحهم، وجدوا أنفسهم بعد ساعات يواجهون خيبة أمل قاسية، ما قد يؤثر على ثقتهم في ذواتهم وعلى حماسهم الدراسي مستقبلاً.
أما الأسر المغربية، التي احتفلت بنجاح أبنائها وشاركتهم فرحتهم، فقد شعرت بالخديعة والغضب، ليس فقط بسبب تغير النتائج، بل أيضاً بسبب غياب أي تواصل مسؤول أو اعتذار رسمي من الجهات المعنية.
هذه الحادثة أظهرت بوضوح أن المدرسة العمومية، التي يفترض أن تكون فضاءً آمناً ومنصفاً، تعاني من اختلالات عميقة في منظومتها الرقمية والبشرية. كما أن مثل هذه الأخطاء تقوض الثقة العامة في الامتحانات الإشهادية، التي تعتبر من المحطات الأساسية في بناء مستقبل التلاميذ
4. مسؤولية المديرية الإقليمية والمصالح التربوية
لا يمكن بأي حال من الأحوال إعفاء المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بطنجة-أصيلة من مسؤوليتها الكاملة في هذه الواقعة المؤسفة. فهي المسؤولة المباشرة عن تدبير الامتحانات الإشهادية والإشراف على سلامة العمليات التقنية المرتبطة بها.
إن عدم التحقق من صحة النتائج قبل إعلانها للرأي العام التربوي، يعتبر خطأً مهنياً فادحاً يستوجب المساءلة الإدارية الصارمة. كما أن غياب أي بلاغ توضيحي أو اعتذار رسمي يزيد من تعميق الأزمة، ويعكس استهتاراً غير مقبول بمعاناة التلاميذ وأسرهم.
ولو كان الخطأ صادراً عن أستاذ بسيط أو مؤسسة تعليمية محلية، لتمت معاقبته فوراً وتوقيفه عن العمل، كما جرت العادة في مثل هذه القضايا. لكن حينما يأتي الخطأ من الجهة المشرفة على العملية التربوية برمتها، فإن الصمت يصبح سيد الموقف، في مخالفة صارخة لمبدأ المساواة أمام القانون الإداري.
5. مسؤولية وزارة التربية الوطنية مركزياً
إن وزارة التربية الوطنية باعتبارها الجهاز المركزي المسؤول عن السياسات التربوية، تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية كاملة عن ما جرى. فغياب إطار تنظيمي صارم لمتابعة إعلان النتائج، وعدم وجود آليات مركزية لرصد الأخطاء التقنية قبل حدوثها، يكشف عن تقصير بنيوي لا يمكن التغاضي عنه.
الوزارة مسؤولة عن تحديث منظومة "مسار" وضمان سلامتها التقنية، كما أنها مطالبة بإعداد الكفاءات البشرية المؤهلة لتسييرها. كما أن غياب تدخل فوري من طرف الوزارة لتوضيح ما وقع، وترك المديرية الإقليمية تواجه العاصفة وحدها، يعكس ارتباكاً واضحاً في التواصل المؤسساتي ويفتح الباب أمام فقدان الثقة الشعبية في المدرسة العمومية.
إن المطلوب اليوم ليس فقط البحث عن المسؤول عن الخطأ التقني، بل إعادة النظر في كل الهيكلة التقنية والإدارية لتدبير الامتحانات الإشهادية، وتحقيق العدالة التربوية التي ينادي بها المغاربة قاطبة.
6. مسؤولية وزارة التربية الوطنية مركزياً
تتحمل وزارة التربية الوطنية المسؤولية الكبرى في هذه الفضيحة بسبب غياب آليات الرقابة المسبقة على النتائج قبل إعلانها بشكل رسمي. فمن المفترض أن تكون هناك منظومة محكمة تسمح بمراجعة دقيقة للبيانات والتأكد من صحة النتائج قبل نشرها، وهذا ما لم يحدث في هذه الحالة، ما يؤكد وجود خلل بنيوي في إجراءات المتابعة والمراقبة على المستوى المركزي.
كما يكشف الخطأ الجسيم عن قصور واضح في الصيانة والدعم الفني لمنصة “مسار”، التي يُفترض أنها تمثل القلب الرقمي للعملية التربوية في المغرب. إن غياب تحديثات تقنية دورية، ونقص الدعم الفني الفوري، يؤدي إلى حدوث مثل هذه الأخطاء التي لا يمكن تبريرها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير آلاف التلاميذ وأسرهم.
علاوة على ذلك، تشير هذه الحادثة إلى ضعف في استراتيجيات التدبير الرقمي، وعدم وجود تنسيق فعّال ورقابة صارمة على عمل المصالح الإقليمية، التي تعول الوزارة عليها في إدارة هذه العمليات الحاسمة. فبدلاً من تفادي الأخطاء والتعامل معها بفعالية، استمرت منظومة التدبير في حالة ارتباك واضحة، مما أدى إلى اتساع نطاق الضرر النفسي والاجتماعي الذي لحق بالتلاميذ.
إن هذا الوضع يستدعي إعادة النظر الشاملة في سياسات الوزارة فيما يتعلق بالتدبير الرقمي للامتحانات، ووضع آليات دقيقة للوقاية من الأخطاء التقنية، وتعزيز القدرات البشرية والتقنية على جميع المستويات لضمان عدم تكرار هذه الكوارث مستقبلاً.
7. موقف المنظمة الحقوقية
تندد المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد بأشد العبارات بهذا الخطأ المهني الفادح الذي يمس كرامة التلميذ المغربي ويضر بثقته في منظومة التعليم. إن ما وقع يعد إساءة مباشرة لحقوق الطفل في تعليم عادل ومنصف، وخرقاً صارخاً لمبادئ العدالة التربوية التي يجب أن تضمن تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ.
كما ترفض المنظمة بشدة سياسة الصمت الإداري التي اتبعتها الجهات المعنية، وعدم الإفصاح بشفافية عن تفاصيل الخطأ وتداعياته، مما زاد من معاناة التلاميذ وأسرهم وخلق جواً من الارتباك وعدم الثقة في إدارة المنظومة التعليمية.
ونؤكد أن السكوت عن الحقيقة أو التستر على المسؤوليات لن يساهم إلا في تأجيج الغضب الشعبي، وسيقوض ثقة المجتمع المدني في التعليم العمومي. ومن هذا المنطلق، تطالب المنظمة بالكشف الكامل عن الملابسات، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في هذه الفضيحة، لضمان إنصاف المتضررين وحماية حقوق التلاميذ.
8. مطالب واضحة للجهات المسؤولة
8.1 المطالب العاجلة:
فتح تحقيق إداري وشفاف بمشاركة جهات مستقلة لتحديد المسؤوليات التقنية والإدارية بدقة، مع ضمان حيادية وشفافية تامة في كل مراحل التحقيق.
نشر نتائج التحقيق بشكل كامل أمام الرأي العام، لطمأنة الأسر وإعادة بناء الثقة في النظام التعليمي.
تقديم اعتذار رسمي من وزارة التربية الوطنية إلى كافة التلاميذ وأسرهم، تعبيراً عن تحمل المسؤولية واعترافاً بالخطأ، لما لذلك من أثر إيجابي في تهدئة النفوس والحد من التأثير النفسي السلبي.
8.2 المطالب الهيكلية:
إصلاح شامل لمنظومة تدبير الامتحانات الإشهادية يرتكز على تبني أفضل الممارسات العالمية في المراقبة والتدقيق وتطوير البنية التحتية الرقمية.
مراجعة منصة "مسار" من حيث الأمن الرقمي وسلامة المعطيات، مع تحديث الأنظمة البرمجية وتوفير دعم فني دائم يضمن الاستقرار التقني وعدم تكرار الأعطال.
تكوين وتأهيل الأطر التقنية والإدارية عبر دورات تدريبية منتظمة ومتخصصة، ترفع من كفاءة العاملين في هذه المنظومة، وتضمن تطبيق صارم للبروتوكولات والإجراءات المعتمدة.
9. دعوة للمجتمع المدني والإعلام
تدعو المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد كل الفاعلين التربويين، والجمعيات الحقوقية، والنقابات التعليمية، والهيئات المعنية بحقوق الطفل، إلى مواكبة هذا الملف عن كثب، والمساهمة في مراقبة سير التحقيقات وتوثيق كل التطورات لضمان الشفافية والعدالة.
كما تناشد المنظمة وسائل الإعلام الوطنية والعربية والإفريقية بمتابعة نتائج التحقيقات، وعدم ترك القضية تندثر أو تُنسى مع مرور الوقت، لأن هذه القضية تمس حقوقاً أساسية ويجب أن تبقى حية في وعي المجتمع حتى تحقق االاهداف
10. رسالة إلى الأسر والتلاميذ المتضررين
تعلن المنظمة تضامنها المطلق مع كل تلميذ وكل أسرة تأثرت بهذا الخطأ المهني والتقني الذي أحدث أضراراً نفسية ومعنوية جسيمة. نحن نفهم حجم المعاناة التي مرّوا بها، ونؤكد لهم أننا معهم في كل خطوة من خطوات الدفاع عن حقوقهم.
كما تؤكد المنظمة استعدادها لمواكبة أي إجراءات قانونية أو إدارية يرغبون في اتخاذها، وتوفير الدعم اللازم لهم، حتى تسترد حقوقهم كاملة ويُعاد لهم الاعتبار الذي فقدوه جراء هذه الواقعة.
نؤمن بأن حماية حقوق التلاميذ وضمان تعليم نزيه وشفاف هو مسؤولية الجميع، ولن نكلّف جهداً في سبيل تحقيق ذلك.
11. توصيات إضافية لتعزيز منظومة التعليم الرقمي
إن الأزمة التي شهدتها نتائج امتحانات طنجة-أصيلة تستدعي التفكير الجاد في تبني آليات وتقنيات حديثة تضمن دقة البيانات وسلامة العمليات الرقمية في منظومة التعليم. نوصي بالآتي:
تطوير نظام رقمي متكامل ومواكب للتطورات التقنية الحديثة، يعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحقق الآلي من البيانات ومنع الأخطاء البشرية.
إنشاء وحدة متخصصة داخل الوزارة مهمتها متابعة جودة البيانات التقنية ومراجعة النتائج قبل الإعلان عنها.
تعميم ثقافة الشفافية داخل المؤسسات التربوية، عبر نشر تقارير دورية حول سير العمليات التقنية، مما يعزز ثقة المجتمع في التعليم العمومي.
اعتماد آليات رقابة من قبل هيئات مستقلة لتفادي التلاعب أو الأخطاء التقنية التي قد تضر بالتلاميذ.
توعية التلاميذ وأولياء الأمور بآليات النظام الرقمي وكيفية متابعة نتائجهم بطرق رسمية، لتقليل ارتباكهم في حالة حدوث أي خلل.
12. أهمية المساءلة والشفافية في القطاع التربوي
إن ضمان الشفافية والمساءلة في قطاع التعليم ليس مجرد مطلب شكلي، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق العدالة التربوية والنجاح في بناء مستقبل أفضل لأجيال المغرب. على السلطات أن تتعامل مع هذا الخطأ كفرصة للتصحيح وإعادة الهيكلة، لا مجرد حادثة عابرة تُنسى مع الوقت.
المساءلة الصارمة لكل المسؤولين عن هذا الخطأ تعطي رسالة واضحة بأن لا مجال للتهرب من المسؤولية، وأن حقوق التلاميذ محفوظة ومحترمة. كما أن الشفافية في إعلان نتائج التحقيقات وتطبيق العقوبات اللازمة، تعزز من الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة وتدفع الجميع نحو المزيد من الالتزام والانضباط.
13. رؤية المنظمة لمستقبل منظومة الامتحانات في المغرب
تؤمن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد بأن إصلاح منظومة الامتحانات الإشهادية يجب أن يكون شاملاً ومستمراً، مستنداً إلى استراتيجيات واضحة تدمج بين البعد التربوي والتقني والإداري.
تعمل المنظمة على اقتراح برامج تدريبية متخصصة للكوادر المكلفة بالتقييم الرقمي، وتعزيز التعاون مع الخبراء الدوليين لتطبيق أفضل المعايير في تدبير الامتحانات. كما تسعى لتعزيز مشاركة المجتمع المدني في الرقابة على العملية التربوية، لضمان أن تكون منصفة وشفافة.
هدفنا هو أن تُصبح منظومة الامتحانات المغربية نموذجاً يحتذى به في المنطقة، تُحقق الطموحات الوطنية وتمنح كل تلميذ حقه الكامل في التقييم العادل والنزيه.
خاتمة
إن ما شهدناه في واقعة نتائج السنة الثالثة إعدادي بمدينة طنجة-أصيلة ليس مجرد خطأ تقني عابر، بل هو جرس إنذار صارخ يُظهر مدى هشاشة النظام الإداري والتقني في منظومتنا التعليمية الوطنية. لقد تعرّض تلاميذنا وأسرهم لصدمة كبيرة لم يكنوا يستحقونها، حيث تحولت فرحتهم إلى حزن وارتباك بسبب أخطاء يمكن تفاديها لو كانت هناك آليات صارمة للرقابة والمراجعة. هذا الخطأ الجسيم لم يؤثر فقط على نتائج الامتحانات، بل طعن في الثقة التي يعلقها المجتمع على المدرسة العمومية، والتي تعدّ الركيزة الأساسية لبناء مستقبل مشرق لأجيال المغرب.
إن الأطفال والتلاميذ هم أغلى ما نملك، ومن حقهم أن يتلقوا تعليماً عادلاً ونزيهاً، يضمن لهم فرص النجاح دون تمييز أو ظلم. ولا يمكن أن نغفل عن الأثر النفسي الكبير الذي يخلفه مثل هذا الخطأ في نفوسهم، حيث يتعرضون لخطر فقدان الثقة في أنفسهم وفي النظام الذي يُفترض أنه داعم لهم، مما قد يؤثر سلباً على مسيرتهم التعليمية ومستقبلهم المهني والاجتماعي.
من هنا، نؤكد على ضرورة تحمل المسؤولية من قبل كل الجهات المعنية، وعدم إخفاء الحقيقة أو التستر على الأخطاء. الشفافية هي السبيل الوحيد لاستعادة ثقة التلاميذ وأولياء أمورهم، ومن خلال الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار الرسمي، يمكن أن تبدأ عملية الإصلاح الجاد. كما يجب أن تُتخذ إجراءات حازمة لضمان مساءلة كل من تسبب في هذا الخطأ، كي تكون عبرة لمن تسول له نفسه الإهمال أو التهاون.
كما أن هذه الأزمة يجب أن تكون نقطة انطلاق لإعادة النظر في طريقة تدبير الامتحانات الإشهادية، عبر تعزيز البنية التحتية الرقمية وتطويرها، وتأهيل الموارد البشرية المسؤولة عن هذه العمليات الحيوية، ورفع مستوى المراقبة التقنية والإدارية لضمان سلامة البيانات ودقتها.
ونحن في المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، نعتبر أن حماية حقوق الطفل التربوية هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع: وزارة التربية الوطنية، الجهات الإقليمية، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام. لذلك، فإننا نطالب بالتعاون المشترك لإصلاح شامل لمنظومة التعليم، يضمن العدالة، والمساواة، ويحترم كرامة التلميذ المغربي.
في نهاية المطاف، لا بد من التأكيد على أن التعليم هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل المغرب، وأن أي تقصير أو خطأ فيه هو تقصير في مستقبل الوطن كله. ومن واجبنا أن نكون السند الحقيقي لأبنائنا، وأن نطالب بأعلى مستويات الجودة والشفافية في كل ما يتعلق بمسارهم التعليمي.
إننا على يقين بأن مع العمل المشترك والجهود المتضافرة، يمكننا أن نعيد بناء منظومة تعليمية تليق بطموحات المغاربة وتكفل حقوق أجيالنا القادمة في التعلم والنمو في بيئة آمنة ونزيهة. وهذه هي الرسالة التي نوجهها اليوم لكل من يهمه الأمر، آملين أن تجد صداها في قلوب وعقول صانعي القرار، لتكون بداية عهد جديد من المسؤولية والشفافية والالتزام بحقوق الطفل.
اترك تعليقا: