المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد

قرار قضائي يكرّس حق قضاة المحاكم المالية في التعبير

قرار قضائي يكرّس حق قضاة المحاكم المالية في التعبير

قرار قضائي يكرّس حق قضاة المحاكم المالية في التعبير



أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط مؤخرا قرارا بتأييد حكم ابتدائي قضى بإلغاء قرار سحب جائزة المغرب للكتاب والتي أعلن في توقيت سابق عن فوز أحد قضاة المحاكم المالية بها مناصفة مع عدد من الباحثين. هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية مع الحكم الابتدائي يعدّ انتصارا لحق قضاة المحاكم المالية في التعبير والتأليف، ويعتبر مناسبة لإعادة تسليط الضوء على المقتضيات القانونية التي تؤطر عمل قضاة المحاكم المالية بالمغرب، والذين يخضعون لقانون خاص يختلف عن النظام الأساسي للقضاة العاملين في المحاكم العادية أو المتخصصة، في سلك القضاء العدلي.

ملخص القضية

بتاريخ 01/04/2019 تقدم الدكتور محمد براو بمقال افتتاحي بواسطة دفاعه إلى المحكمة الإدارية بالرباط، يعرض فيها أنه شارك في جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2018. وأعلنت وزارة الثقافة أسماء الفائزين بالجائزة المذكورة وعددهم 13 باحثا ومبدعا في الفروع الثمانية للجائزة، وكان واحدا من المتوجين، حيث فاز بالجائزة في صنف العلوم الاجتماعية مناصفة مع باحث آخر. وعند الإعلان عن تنظيم حفل تسليم الجوائز بتاريخ 12/10/2018 بالمكتبة الوطنية بالرباط، تفاجأ بإقصائه من الحضور لعدم توجيه دعوة إليه. كما تم اقصاؤه من تسلم الشهادة التقديرية والقيمة المالية للجائزة التي بلغت 120.000 درهم (ما يعادل 12000 دولار)، وفقا لمقتضيات المادة 13 من المرسوم المنظم للجائزة، معتبراً أن هذا الإقصاء مخالف لمقتضيات الدستور والعهد الدولي للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، مما أضر به ضررا ماديا ومعنويا، وأثر على نفسيته. وقد التمس بالنتيجة الحكم بأداء الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والاتصال، في شخص ممثلها القانوني تعويضا إجماليا لفائدته قدره 120.000 درهم عن الضررين المادي والمعنوي، مع تسليمه الشهادة والتذكار المتعلق بالجائزة طبقا لأحكام المرسوم المنظم لها.

وأجابت الجهة المدعى عليها بكون المدعي حين تقديم ترشيحه لنيل الجائزة، لم يشِر إلى صفته كقاض بالمجلس الأعلى للحسابات، خلافا لمقتضيات المادة 182 من القانون المنظم للمحاكم المالية، والتي تنص على أنه: “إذا كانت المؤلفات العلمية لها علاقة بأنشطة المحاكم المالية يجب على مؤلفها تسليم نسخة منها للرئيس الأول قبل نشرها وتوزيعها”. وأضافت المذكرة الجوابية بأن وزارة الثقافة عملت على مراسلة الكاتب العام للمجلس الأعلى للحسابات للاستفسار منه حول مدى انسجام وضعية المدعي مع مقتضيات القانون المنظم للمحاكم المالية، إلا أنها لم تتوصل بأي جواب إلا بعد إعلان نتائج الجائزة. وقد وردها بعد ذلك جواب مفاده أن المجلس لم يأخذ علما بترشح المدعي لنيل الجائزة نظرا لعدم إشارته لصفته القضائية، وأنه بعد عرض المؤلف المذكور على أنظار مجلس قضاة المحاكم المالية خلص هذا الأخير إلى عدم الموافقة على نشر المؤلف، مما يجعل المدعي غير مستحق للجائزة لعدم توفره على شروط الترشيح لها، والتمست رفض الطلب.

موقف المحكمة

استجابت المحكمة للطلب معتمدة قراءة متطورة لمقتضيات المادة 182 من قانون المحاكم المالية، حيث اعتبرت أن المشرع ميّز من خلال المادة المذكورة بين الأعمال التي لها علاقة بأنشطة المحاكم المالية، والتي يؤلفها القضاة بصفتهم قضاة ممارسين بما راكموه من خبرة خلال عملهم بتلك المحاكم، والأعمال التي يعمل القضاة على نشرها دون الإشارة إلى صفتهم القضائية باعتبارهم باحثين. ففي الحالة الأولى، اشترط المشرع الموافقة القبلية للمجلس قبل نشر هذه الأعمال. أما في الحالة الثانية، فلا حاجة لسلوك المسطرة المتبعة في المادة 182 المذكورة والتي تستلزم ضرورة إشعار المجلس بهذه الإصدارات، على اعتبار أن محتوى تلك الأعمال تمثل أصحابها كباحثين في المجال لا كقضاة ممارسين.

وقد خلصت المحكمة إلى عدم مشروعية قرار وزارة الثقافة والاتصال الذي قضى بسحب جائزة المغرب للكتاب من المدعي بعلة كونه قاضيا ولم يحصل على إذن من المجلس لنشر مؤلفه، لكون المعني بالأمر استوفى كافة الشروط المتوفرة لمنح الجائزة والمحددة في المرسوم، والتي ليس من بينها الحصول على إذن من الجهة المشغلة، معتبرة عناصر المسؤولية الإدارية قائمة، وطلب التعويض مؤسسا، ويتعين الاستجابة له.

وعليه قضت المحكمة الإدارية بقبول الطلب في الشق المتعلق بتسليم الشهادة وتذكار الجائزة للمدعي، وفي الموضوع بأداء الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والاتصال في شخص ممثلها القانوني تعويضا قدره 80.000 درهم. وبتاريخ 15/07/2020 أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية قرارها بتأييد هذا الحكم.

ملاحظات حول الحكم

تكمن أهمية هذا الحكم في كونه يسلط الضوء على وضعية قضاة المحاكم المالية. فمن المعلوم أن القانون المنظم لعمل هذه المحاكم والمتمثل في مدونة المحاكم المالية، قد صدر سنة 2002 قبل إقرار دستور 2011، الذي كفل للقضاة حقهم في التعبير.

وإذا كان قضاة المحاكم العادية والمتخصصة بالمغرب (القضاء العدلي) يخضعون لنظام أساسي خاص، يخولهم الحق في حرية التعبير والحق في الانخراط في الجمعيات المدنية، وتأسيس جمعيات مهنية، فإن الإطار القانوني المنظم لعمل المحاكم المالية لا يشتمل التنصيص على هذه الحقوق بشكل واضح.

وفي هذا الإطار تنص المادة 182 من مدونة المحاكم المالية على أنه: “يمنع على كل قاضٍ ينتمي إلى المحاكم المالية أن يزاول بصفة مهنية نشاطا خاصا يدرّ عليه ربحا كيفما كان نوعه، كما يمنع عليه مزاولة أي عمل يجعله في وضعية تبعية.

لا يمتدّ هذا المنع إلى تأليف الأعمال الأدبية أو العلمية أو الفنية، غير أنه لا يمكن لمؤلفيها الإشارة بهذه المناسبة إلى صفتهم كقضاة إلا برخصة من الرئيس الأول بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية.

وحينما تكون للأعمال المشار إليها في الفقرة السابقة علاقة بأنشطة المحاكم المالية، يجب على مؤلفيها تسليم نسخة منها للرئيس الأول قبل نشرها أو توزيعها”.

وقد أفرزت الممارسة أن قضاة المحاكم المالية أضحوا ملزمين بتسليم نسخة من مؤلفاتهم التي لها علاقة بأعمال هذه المحاكم للرئيس الأول قبل نشرها أو توزيعها، سواء استعملوا فيها الصفة القضائية أـم لم يشيروا فيها الى هذه الصفة، وهو مقتضى لا يوجد له نظير بالنسبة لباقي قضاة المحاكم العادية والمتخصصة، حيث ينص الفصل 47 من النظام الأساسي للقضاة على أن منع القضاة من ممارسة أي مهنة أو نشاط لا يشمل “إنتاج المصنفات الأدبية أو العلمية أو الفنية، غير أنه لا يجوز لأصحابها أن يذكروا صفاتهم كقضاة إلا بإذن من الرئيس المنتدب للمجلس”.

بقيت الإشارة في الأخير الى أن دستور 2011 أفرد بابا خاصا للمجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية[1]، ولم ينظم المقتضيات الخاصة بهم داخل الباب المتعلق بالسلطة القضائية[2]، وهو ما أسهم في إبقاء نوع من الغموض حول الحقوق والحريات الأساسية المكفولة لقضاة المحاكم المالية[3].

 

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: