المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد

صراع ( الوصل النهائي) بين السلطة والجمعيات

صراع  ( الوصل النهائي) بين السلطة والجمعيات

صراع  ( الوصل النهائي) بين السلطة والجمعيات

 

 

إن عملية تقديم تصريح من طرف الجمعية مقابل التسلم عنه وصلا مؤقتا، ينظمه الفصل 5 من الظهير الشريف 1.58.376 الصادر في 15 نونبر 1958 الذي تم تغييره وتتميمه بمقتضى المادة الثانية من القانون 75.00 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.02.206 الصادر في 23 يوليو 2002.
وقد أكد هذا الفصل على أمرين مهمين بشأن الحصول على الوصل وممارسة الجمعية المعنية لنشاطها الذي أسست من أجله،
الأمر الأول: الحرص على التعامل بالوثائق المؤرخة والمختومة لإظفاء الطابع الرسمي والقانوني والمؤسساتي على جميع المعاملات بين مختلف الشركاء والإدارات العمومية ذات الصلة.. وللحصول على الاعتراف القانوني والواقعي، وكذا اكتساب الشخصية المعنوية أو القانونية، وفتح الباب للجمعية أمام ممارسة أنشطتها وتعاملاتها الرسمية والمالية والقضائية.
الأمر الثاني: وهو مرتبط ومرهون جزئيا بالأمر الأول على مستويين،
المستوى الأول: حيث أكد الفصل على ضرورة حصول الجمعية حال تقدمها بتصريحها على الوصل المؤقت، بمعنى أن تصريح الجمعية مقابل وصل من طرف السلطة المحلية. وهذه الفقرة نصت على ما هو أسرع من الفورية بصيغة آمرة ملزمة للسلطة المحلية، لا تحتمل أي تأويل للنص أو تأجيل في تقديم الوصل أو تعطيل لمنطوقه وصيغته الآمرة، مع اشتراط أن يحمل هذا الوصل ختم السلطة المحلية وتاريخ تسليمه، حيث يعتبر الختم إقرارا واعترافا من السلطة المحلية بواقعة توصلها بالتصريح، والتاريخ يشكل مرجعا لاحتساب المدة التي تم فيها وضع هذا التصريح.
إن حرمان الجمعيات من مجرد الحصول على الوصل المؤقت يعتبر خرقا سافرا لظهير تنظيم حق تأسيس الجمعيات، إذ يفرغ هذا القانون من مصداقيته، ويرفع منسوب الريبة والشك بين السلطة والجمعيات دون مبررات معقولة، ويدخل الجميع في حالة من التوتر والاحتقان المجاني، ويبقى السؤال الحقوقي والقانوني معلقا، ما جدوى هذه الفقرة التي تؤكد على السلطة منح الوصل المؤقت للجمعية حالا ؟ ومن يسائل السلطة عن خرقها للقانون ؟
المستوى الثاني: في هذا المستوى يصبح للجمعية حق الحصول على الوصل النهائي وجوبا داخل أجل 60 يوما من تاريخ التقدم بتصريحها عند استفاء هذا التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة.
وإن مدة 60 يوما اعتبرها هذا القانون مدة كافية وشافية كي تبدي النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة رأيها، هذا الرأي الذي اعتبره القانون من خلال منطوق النص غير ضروري بعد أن عبر عنه بـ ” عند الاقتضاء “.
كما اعتبر هذا القانون مدة 60 يوما كافية لقيام مجموعة من المصالح بأعمال البحث والتحري التي أصبحت عرفا عاديا، علما ألا وجود لأي نص قانوني يبرر ذلك.. وغالبا ما تصبح أعمال البحث والتحري تلك، مطية تبرر تلكؤ السلطات عن منح الجمعيات الوصل النهائي.
إن عبارة ” وجوبا ” ترفع اللبس عن أي تفسير لا يحتمله هذا القانون، فهي صيغة واضحة آمرة وملزمة للسلطة، تحت أي ظرف من الظروف، ولا تتحمل الجمعية المعنية تبعات تهاون أي جهة عن القيام بواجبها.. فمرور 60 يوما دون حصول الجمعية على وصلها النهائي يعتبر – وجوبا – وجودها قانونيا، وعملها مشروعا، بدليل نص الفصل الذي جاء فيه ” وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها” .
ومع وضوح هذا الفصل، وأمام تعنت السلطات المحلية، تبقى الجمعيات المحرومة من الوصل، سواء كان مؤقتا أو نهائيا تعاني، وتجد صعوبات قانونية وإدارية من أجل ممارسة أنشطتها وفق قوانينها، ذلك أن العديد من المؤسسات العمومية والقاعات ترفض التعامل معها إلا بعد الحصول على الوصل، وهي ضمنيا ( أي هذه المؤسسات ) لا تعترف هي الأخرى بهذا القانون، أو بعبارة أخرى، تخشى المساءلة ومتابعة وعقاب مسؤوليها في حالة التعامل مع جمعيات حرمت من حقها في الحصول على الوصل.
والأدهى والأنكى، عندما تلتجئ بعض الجمعيات إلى القضاء الإداري من أجل استصدار أحكام قضائية تقضي بحق هذه الجمعيات في الحصول على وصولاتها، فإن وزارة الداخلية غالبا ما تمتنع عن تنفيذ هذه الأحكام، فتقع الوزارة في وزرين، وزر تعطيل القانون، ووزر الامتناع عن تنفيذ الأحكام الصادرة باسم جلالة الملك.
إنها وضعية لا تشرف واقع حقوق الإنسان في مغرب القرن 21 ودستور 2011 في حده الأدنى، عندما يصبح مجرد الحصول على وصل نهائي أو مؤقت مستعصيا ومقعدا ومتعسفا، وإن موقف وزارة الداخلية ليبعث على الاستغراب والحيرة حول خلفيات هذه العراقيل والتعطيل الصريح للقانون، ويسائل المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، وعلى رأسها وزارة حقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ألا يعتبر موقف وزارة الداخلية خرقا للقانون وانتهاكا لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة والتي صادق عليها المغرب ؟

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: